محمود يعقوبي عميد المربين وشيخ المنطقيين

الباحثة :د.عتوتي زهية

جامعة مستغانم

 

 

 

مع توالي أيام الدراسة والتدريس، انفتحت معارفنا على شخصية هذا المفكر المعلم والأستاذ والمنطقي واكتشفنا لاحقا فضله على حركية الفكر الفلسفي في الجزائر عبر شقين متداخلين أولهما تعليمة الفلسفة وثانيهما التأليف والترجمة في الحقل المنطقي وهذا ما أثرنا التطرق إليه من خلال هذه الورقة البحثية مؤكدين على قيمة العطاء وضرورة الاعتراف بفضل أمثال هذه الشخصيات الى تواصل بعد أبحاثها واشرافها على الطلبة، فحرى أن يكون لهم بيننا كل الحضور.

1-محمود يعقوبي، امتدادات الشخصية:

يعتبر الأستاذ من مواليد مدينة الأغواط سنة1931 وصف بأنه من الطراز النادر في البحث والتعليم والإشراف « لا ننسى ما حققه على الصعيد الأكاديمي الذي كان فيه مربيا ومدرسا ومفتشا وأستاذا جامعيا، فقد عمل في التدريس أربعين عاما ونيف أما كتبه سواء المؤلفة منها أو المترجمة فقد جاوزت الثلاثين وهي مؤلفات قيمة أغنت المكتبة العربية في المنطق أولا والفلسفة ثانيها» 1 . إن تميز هذا المفكر الفذ لا يمكن أن نعزله عن مجموعة من العوامل التي ألهمت كتاباته وصقلت شخصيته على امتداد مراحلها والتي يمكن أن نشارك فيها الأستاذ طيبي مسعود حينما حصرها في أساسيات أربع ، فمن جهة النشأة الطفولية الأولى والتي بدت عبر نشأة في وحات طبيعية خصبة يطبعها صفاء الذهن وبساطة العيش، فضلا عن أصالة التكوين الأول عبر رحلته إلى قسنطينة ونهله من نبع معهد عبد الحميد بن باديس، مما أثر في قريحة المفكر لغة وعقيدة. غير أن هذا لم يمنعه من الانفتاح على الثقافة الأجنبية وتطويع المعنى لينفتح على الثقافة الخاصة فأحسن التوازن وأبدع في ذلك، كما أن بصمات جامعة دمشق لا يمكن أن يغفل ذكرها في صقل موهبة مفكرنا طالما أنها كانت ملتقى للحضارات وإحدى أهم بواباته2 إن حديثنا عن إبداع هذا النابغة الذي تعددت مساهماته في الحقل الفلسفي يدفعنا أن نشير أولا إلى مساهماته التعليمية والتربوية.

2-محمود يعقوبي والتأسيس لتعليمية الفلسفة:

بعد عطاء متواصل سواء في التعليم الثانوي أستاذا لمادة الفلسفة أو مفتشا لاحقا عبر حقل التكوين إلى طور التدريس والبحث عبر التعليم الجامعي ، يبدو رهان الأستاذ وفيا لنفس المنحى من خلال التفكير في سبل أفضل لخطاب فلسفي متميز في الجزائر، سواء عبر كتابه المشار إليه سابقا "الوجيز في الفلسفة " أو " مدخل إلى المقالة الفلسفية « أو مساهمة في الترجمة من خلال المختار في النصوص الفلسفية وكذلك من خلال مقالاته المنشورة حول مشكلة تعليم الفلسفة ،في كل ذلك يحرك مفكرنا هاجسا نلتمسه في انتقاله من مؤلف لأخر ومحوره التفكير في مصير أفضل لواقع تعليم وتدريس الفلسفة في الجزائر، لذلك نجد مؤشرات هذه الروح العازمة معبر عنها بقوة في مقدمة الوجيز "لقد عقدت العزم على الخروج من دوامة التردد نظرا لحاجة الأساتذة إلى كتاب مدرسي يحدد معالم الطريق، والتلاميذ إلى مرجع يكفيهم مؤونة كتابة التلاخيص في أوقاتهم في أشد الحاجة إلى تخصيصها للتعمق في المسائل التي يطرحها أمامهم أستاذهم»3 أما حين يخاطب التلاميذ المقبلين على امتحان الباكالوريا فإنه يحدد لنا الطابع التقني المعمول به في هذا العرض فضلا عن طموح يرسمه مفكرنا هو حصيلة تعليم الفلسفة فيقول « إن الغرض من وضع هذا الكتاب هو توفير أداة يفتقدها المترشحون لشهادة الباكالوريا ، اقتصرت فيه على ذكر أهم النظريات التي كونها المفكرون حول المسائل الفلسفية التي حددها البرنامج الرسمي... تحقيقا للهدف المنشود من تدريس الفلسفة في الأقسام النهائية، وهو تكوين نشء متشبع بروح الثقة بالنفس ومؤمن بحرية الفكر وبقدرة العقل على مجاوزة نفسه في حركته الجدلية المستمرة الساعية في طلب حقيقة متجددة المظهر دوما»4 إن تنمية الحس النقدي لدى المتعلم وتطوير كفاءاته تلك هي بالذات نفس التوصيات إلى أكدتها لاحقا منظمة اليونسكو من خلال تحديد دور الفلسفة في أنها « تجد كل قوتها المعرفية في التفكيك النقدي الذي تعلم كيفية تشغيله على كل منظومة من منظومات اعتقادنا وقيمنا»5 على الرغم من أن هذه الروح الطموحة سرعان ما تتراجع أما ظاهرة الانكباب على تلقي الإجابات الجاهزة أو حفظ إجابات عامة مطبوعة ومتداولة عند تلامذتنا للأسف، حيث يختزل فيها حضور الفلسفة في الحفظ الآلي اعتقادا أنه الحل الأمثل، فنحن بحاجة إذن للتعويل على هذا الهدف الذي نشده أستاذنا لحفظ هيبة هذا الخطاب وتطوير أصوله. « إذ ليس التفلسف إلا مناقشة جدلية متصاعدة لا هواذة فيها بين المفكر ينبغي للتلاميذ أن يتتبعوها حتى يتدربوا على اكتشاف مواطن القوة والضعف في النظرية ، وعلى الاهتداء إلى الحلول التي يطمئنون إليها... إن التفلسف ليس نشاطا ذهنيا عظيما بل سعى حثيث وأكيد لتبديد ظلمات الغموض والالتباس»6 في كل ذلك ليس الغرض من التفلسف تبديد الفكر وتشتيته من خلال حافز السؤال بل إن الأمر مرتبط بتحديد معالم الفكر الخصب والمنتج. إن هذا الكتاب المدرسي الذي تشبع به التلاميذ الثانوي لعقود وكان ممهدا للمواضيع المدرجة عبر بابين أولهما الثقافة ومظاهرها وثانيها حول الفلسفة وضرورتها والكتاب مقسم إلى قسمين القسم الأول حول فلسفة العمل حيث يتضمن عدة محاور مدرجة كالآتي –الانتباه والشعور- الشعور واللاشعور- الانفعالات – العادة – الإرادة – الطبع والشخصية – معرفة الغير والعلاقات بين الأشخاص- الفن والإبداع الفني- الأخلاق الضمير الخلقي- المفاهيم الكبرى للحياة الأخلاقية – التجربة الأخلاقية – المسؤولية – الفضيلة –احترام الإنسان : العدل والإخوة- الحقوق – الأخلاق والأسرة – الأخلاق والسياسة- العمل ومشاكله – الحرية – والإنسان ومصيره – الوجود والقيمة.

أما القسم الثاني فقد خصص لفلسفة المعرفة وتتحدد محاوره في الإحساس والإدراك- الذاكرة- التخيل- اللغة- الذكاء- التفكير والتجريد- التفكير المنطقي الجدلي- المنطق الاستقرائي- التفكير العلمي- الرياضيات- منهج العلوم الطبيعية- العلوم البيولوجية – التاريخ- علم الاجتماع- علم النفس- مبادئ العقل- نظرية المعرفة ومشكلة الحقيقة – الزمان والمكان – الروح والمادة- الإلوهية في كل ذلك يتضمن تنوع الموضوعات سواء في فلسفة العمل أو فلسفة المعرفة إلماما بمشكلات فلسفية متنوعة في طرحها وفي أبعادها وإن كان هناك من يجد تقاربا بين البرنامج المعمول به والبرنامج الفرنسي وقتها لمادة الفلسفة ، إلا أن مفكرنا حاول تكييفه وفق خصوصية الثقافة الإسلامية مبرزا من حين لأخر استشهادات الفلاسفة المسلمين من أمثال ابن رشد والفارابي وأحيانا أخرى بإبراز آيات قرآنية تناسب الموضوع المطروح من ذلك ما تم إدراجه في مشكلة العدل من استشهادات قرآنية.

بنفس الأفق التأسيسي يأتي "مدخل إلى المقالة الفلسفية" ليحدد لنا معايير المقال الفلسفي والتي تتحدد في البعد اللغوي والبعد المادي الذي يتضمن النظريات العلمية والآراء الشخصية فضلا عن المعيار المنطقي الذي يحدد انتظام وتناسق أجزاء المقال عبر المقدمة والتوسيع والخاتمة فلا يقر التلميذ مثلا نتيجة في ختام تحليله تناقض متن المقال من خلال توسعه وعرضه للفكرة التي ناقشها ، كما استتبع ذلك بنماذج تصحيحية لمشكلات متفرقة.

عبر هذا المسار التعليمي والتكويني سواء من خلال التعليم الثانوي   أو الجامعي يلح الأستاذ عبر مقالات تطمح إلى حال أفضل لتعليمة الفلسفة على ضرورة تمكين الطلبة المتفوقين إلى التوجه نحو اختيار شعبة الفلسفة والتي رغم ارتباطها بسلك الآداب لكنها في الواقع كانت دوما تخاطب تجريد الرياضي وفكر العالم بما لا يمكن اعتباره مجرد مادة مكملة في الشعب العلمية والرياضية. إن هذا الحرص من الأستاذ على واقع أفضل للخطاب الفلسفي هو الذي دفعه كذلك للتأليف في الموضوع محدد القواعد والضوابط قائلا   « لهذا فإن ما سيجده الباحث المتفلسف ليس قواعد يفسد بعدم إتباعها الخطاب الفلسفي بالضرورة بل حصيلة تجارب وممارسات استقام بها الخطاب الفلسفي في كثير من أعمال الفلاسفة الأذلاء التي متى استقراها المستقرئ وجدها متماثلة ومطردة إلى حد الصلاحية لأن تكون معالم»7 بذلك فهناك شروط تحدد البحث المبدع عن غيره تؤسس لجهود أمثل في الإنشاء الفلسفي «إن الباحث المبدع في الفلسفة هو الذي يضيف إلى تصوراتنا تصورا أو تصورات أخرى تعرفنا بالعناصر التي يتكون منها عالم المعقولات لدينا، أو يضيف إلى جملة التفسيرات التي نفسر بها وجود هذه التصورات لدينا، تفسيرات أخرى تعرفنا بالأسباب التي ولدت لدينا عالم المعقولات هذه أو تحل محل تفسيرات أخرى زائفة ولدتها فيه النظرة غير الفلسفية»8 .

إن هذا الحرص التعليمي يلازم شخص مفكرنا عبر مسيرة حافلة بالتدريس والتكوين والإشراف حيث لا زال إلى يومنا رمز للعطاء، يصبو للأحسن بما يقدمه لطلبته ولكل من يتشرف بالتعلم على يديه من خلال حرصه على إذكاء روح النقد ومسؤوليته وتطوير مهارة الاستدلال وطرقه.

3-محمود يعقوبي ومسيرة الدراسات المنطقية:

لا يمكن أن نفصل بين الأداء التعليمي للأستاذ وتبرزه في التأليف كون الحاجة التعليمية لتقديم الأفضل في عرض المنطق كثيرا ما كانت دافعا للذلك « مكنتني ممارسة التدريس من الإحساس بحاجة الطلبة الماسة إلى وضع هذه الدروس بين أيديهم، لكن يتخذوها منطلقا لعداد دروسهم، وأداة لمراجعة المقرر عليهم من المنطق الصوري، بحيث تكون هذه الدروس مجرد محرض على بذل المزيد من الجهد لاقتباس الآراء المنطقية من مصادرها الأصلية»9 ذلك أن مدرس المنطق كثيرا ما يلاحظ أن طلبته يستشعرون صعوبة في إدراك بعض القواعد المنطقية الصورية لدرجة أن دراسة لمركز التوجيه المدرسي بمستغانم أبانت أن الفشل الدراسي في مادة الفلسفية بالتعليم الثانوي مرده إلى فشل منطقي في الأساس « فعالم المنطق هذا الحاضر الغائب يدرس الآن في كافة برامج الفلسفة بشكل أكاديمي ساكن في حين أن موضوعاته ذات طبيعة ديناميكية ، إن موضوعات مادة الفلسفة تسرد على التلميذ كباقي موضوعات المواد الأخرى دون أن يعي ويتبصر قواعد المنطق التي وظفها الفلاسفة في مناقشاتهم وحواراتهم... إن هذا السرد الموسوعي الجاف لا يمكن هذا التلميذ من فهم آليات التفكير السليم ناهيك عن القدرة على توظيفها ».10 من هنا فقد عول مفكرنا بامتياز أن يكون له وقع على مستوى التأليف والترجمة المنطقيين، فاقترن ذكره» بشيخ المناطقة « الذي تميز بالجد والجدة والجودة فيما قدم، لقد اعتبره الاستاذ طيبي مسعود من الذين اقترن اسمهم بمبحث المنطق تدريسا وتأليفا وبحثا وترجمة واشرافا فيبرز مؤلفه المنطق الفطري في القرآن الكريم« إن المنطق الفطري الذي تحدث عنه لا يبعد أن يكون هو الأصول العقلية الأولى التي يقوم عليها كل عمل عقلي، منه النظر في أصول المنطق الصناعي، كما هذبها وضبطها لأول مرة المعلم الأول»11 ولذلك سيعمد استاذنا إلى استخراج أقيسة منطقية من آيات قرآنية من ذلك قوله تعالى: « ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه أني لكم نذير مبين، أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم، فقال الملأ الذين كفروا من قومه، ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نرى أتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين»سورة هود الآيات 25. 26. 27. إن ما يؤكد هذه القناعة المنطقية الفطرية في القرآن الكريم هو الإمكانية التي يوردها الأستاذ من خلال قياس من الشكل الأول وتحديدا من الضرب الثاني هذه صورته.

لا بشرني

وأنت بشر

إذن أنت لست نبيا.

كما يورد قياسا أخر من الشكل الأول عن الضرب الأول وهذه صورته.

لو كنت نبيا لا تبعك أفاضلنا

لكن لم يتعبك أفاضلنا

فأنت لست نبيا

هذه المحاولة نجدها سابقة عند أبي حامد الغزالي وهذا ما يبدو بوضوح في كتابة القسطاس المستقيم حيث يحاول استخراج الأقيسة الحملية والقياس الشرطي بنوعيه من النص القرآني باعتبارها تدل على ما أسماه الميزان الإلهي مسترشد بالايات التالية

« والسماء رفعها ووضع الميزان » سورة الرحمن الآية 07 وكذلك قوله « أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان » الرحمن الآية 09 هذه الآيات تؤول عند الغزالي للدلالة على ميزان المعرفة المنطقي كما تتوافق هذه القناعة في العودة إلى النص الشرعي واستثماره استثمارا منطقيا نجدها عند ابن حزم الأندلسي الذي يعدد حججه في الموضوع من ذلك استشهاده بقوله تعالى: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما» المائدة الآية 38، هذا حكم كلي يمكن أن يحول إلى قضية مسورة فيصبح كل من يسرق تقطع يده « فالفقيه هنا يقيم فتواه على أساس مبدأ منطقي عام وهو مبدأ عقلي بديهي، لذلك فهو قانون من قوانين المنطق، وهكذا يضرب ابن حزم هذا المثال ليدل على ما يمكن أن يستفيد الفقيه من المنطق»12 كما نلاحظ تقاربا بين أطروحة أستاذنا في قيام المنطق على أوائل العقل والحس في قوله « إن الحجة المنطقية لا تكون ملزمة إلا متى كانت برهانية، أي متى كانت مادتها صادقة وصورتها صحيحة فيكون الشرط الكافي في إلزامية الحجة المنطقية هو اجتماع الصدق المادي والصحة الصورية فيها ولهذا جاءت الحجة المنطقية في القرآن الكريم عند الإثبات وعند النص قائمة على الحقائق البديهية الأولية وعلى المشاهدات الحسية المباشرة»13 هذا المعنى يتفق مع ما يدافع عنه فقيه قرطبة في «التقريب لحد المنطق» حينما حصر مرتكزات المعرفة في هذين البعدين (فلا طريق إلى العلم أصلا إلا من وجهين أحدهما ما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس والثاني مقدمات راجعة إلى بديهية العقل وأوائل الحس).

هذا الاطلاع على ما قدمه مفكرو الاسلام يستثمره محمود يعقوبي في الدفاع عن قناعاته وتعزيزها حيث يرسخ في الاذهان مبدأ أن الخطاب القرآني ليس محض تسليم بل أنه كذلك خاطب عقولنا بما يتفق مع المنظومة المنطقية التي صاغها المعلم الأول فعزز مبدأ الهوية وتجاوز التناقض.

منطقيا كذلك يمكن أن نشيد بجهود مفكرنا في الترجمة التي تفوق فيها مقارنة مع أعمال سابقة قدمت حين نقل الى العربية ما يوافق المعنى وتجاوز الترجمات السطحية البسيطة فمن ذلك ترجمته للكتاب روبير بلانشي "المنطق وتاريخه من أرسطو إلى راسلً فإنه يفتتحه بقوله «إن الذي زين لي نقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية، هو خلو مكتبتنا من تاريخ للمنطق ولا يمكن أن يجهل مدرس الفلسفة وطالبها قيمة المنطق الذي اعتبره صاحبه أرسطو طاليس ألة الفلسفة وعده كانط علما ولو كهلا مكتملا لا نقص فيه»14 منتقدا هذا التصور الكانطي من أن لا شيء يولد تاما كهلا لا في صورته ولا في مادته فهناك تطور تدريجي رافق العقل البشري في مسيرته عبر مختلف الأزمنة والأمكنة كما يؤاخذ بلانشي على هذه الدراسة التي تغيب مساهمات عربية في تطوير المنطق فيقول «قد أراد أن يكون تاريخه للمنطق شاملا لتطور المنطق البشري، غير أنه في الواقع جهل أو تجاهل مساهمة العرب في تطوير المنطق الصوري وكان في إمكانه أن يعرض هذه المساهمة وأن لا نغفلها أو يتغافل عنها لو أنه رجع إلى الترجمات اللاتينية العديدة للكتب العربية»15 مؤكدا أن طبيعة اللغة العربية ساهمت في تطوير المنطق العربي من ذلك الأبنية النحوية المنطقية فضلا عن مساهمات علماء الأصول في الدلالات المنطقية، كما يمكن اعتبار مؤلف الأستاذ محمود يعقوبي "مسالك العلة وقواعد الاستقراء عند الأصوليين وعند جون ستيوارت ميل" دفاعا عن مساهمة مفكرينا في التمهيد لظهور المنهج التجريبي من خلال ابتكارهم لعلم الأصول وتحديد قواعد استقراء العلة الشرعية التي اعتبرها قواعد صالحة لاستقراء العلة الطبيعية « يبدو لنا أن بحثنا هذا يستمد أهمية أو لا من كونه يقطع الصمت المخيم على قيمة منهجية ابتكرها علماء الأصول وكان لها في مرحلة من مراحل الفكر الإسلامي الأثر البالغ في حياة المسلمين النظرية والعملة وثانيا من كونه يمد البحث والمناقشة في هذه المنهجية بالمادة العلمية والتاريخية التي تفتقر إليها» 16 بهذا الاعتبار يصف أن ما حققه المؤلف هو ما رجاه مصطفى عبد الرزاق وما أجمله الدكتور علي سامي النشار من حيث أنه أورد الحجج الكافية التي يستحق بها علماء الأصول ما استحقه بعدهم بستة قرون من فرنسيس بيكون وجون ستيوارت ميل.

إن دعوة الأستاذ محمود يعقوبي للاهتمام بالمنطق ودراساته تذكرنا بدعوة حزمية سابقة حددها فقيه قرطبة في هذه الصورة « لو أمكن أن يهتف به على قوارع طرق المارة، ويدعو إليه في شوارع السابلة وينادي عليه في مجامع السيارة ، بل لو تسير له أن يهب المال لطلابه ويجزي الأجور لمقتنيه ويسني مراتب أصله صابرا في ذلك على المشقة والأذى لكان ذلك حظا جزيلا وعملا جيدا وسعيا مشكورا كريما »17 وفي ذلك سعى لتقريب المنطق إلى الأذهان.

أخيرا ما يمكن أن نعقب به على مساهمات أستاذنا المنطقية أنه بالفعل سعى إلى إخقاق الحق وإبطال الباطل ميسرا سبل هذا العلم من جهة ومدافعا عن حضور الفكر العربي في حقل الدراسات المنطقية كما أسهم بقوة في الجانب التعليمي حيث لا زال نبراسا يحتذي به فأطال الله في عمره وحفظه ذخرا للجميع.

                             

قائمة المصادر والمراجع:

  • عبد الله قلى، محمود يعقوبي شهادات ودراسات، منشورات مخبر التربية والابستومولوجيا ط،202الجزائر ص
  • طيبي مسعود، المصدر نفسه ص12-13.
  • محمود يعقوبي، الوجيز في الفلسفة، المعهد التربوي الوطني ط2، الجزائر1920ص
  • المصدر نفسه ص2
  • منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة اليونيسكو، الفلسفة مدرسة للحرية، ط1، باريس 2009 ص
  • محمود يعقوبي، الوجيز في الفلسفة ص2-3.
  • محمود يعقوبي، أصول الخطاب الفلسفي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009 ص
  • المصدر نفسه ص
  • محمود يعقوبي دروس في المنطق الصوري، ديوان المطبوعات الجامعية، ط1،الجزائر 2009 ص
  • الوردي حناطلة ،مركز التوجيه المدرسي لولاية مستغانم، الفشل المدرس في مادة الفلسفة لمن يعود ص
  • محمود يعقوبي، المنطق الفطري في القرآن الكريم ، ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر2000ص
  • محمد مهران، دراسات في المنطق العربي، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة 2004 ص
  • محمود يعقوبي، المنطق الفطري في القران الكريم، ص
  • روبير بلانشي، المنطق وتاريخه من أرسطو إلى راسل، ترجمة محمود يعقوبي، دار الكتاب الحديث، الجزائر 2004صp
  • المصدر نفسه ص4
  • محمود يعقوبي، مسالك العلة وقواعد الاستقراء عند الاصولين وجون ستيوارت ميل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر1994ص
  • ابن حزم، التقريب لحد المنطق، تحقيق احمد المزيدي، دار الكتب (د، ط) بيروت ص

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة