من الطوطم إلى التابو أسس قيام الحضارة عند سيغموند فريويد

 

 

المؤلف : الأستاذة بوصوار نجمة

المؤسسة: قسم الفلسفة، جامعة مستغانم

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث  : الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات، جامعة وهران2

 

 

 

 

 

 

جعل سيغموند فرويد من عقدة أوديب النقطة المركزية التي تتمحور عليها جميع أعماله المتعلقة بمسألة الثقافة والحضارة، حينما انتبه لشقاء الإنسان المعاصر وراح يحلل ذلك الشقاء ووجد أن بذور ذلك يكمن في عمق وفجر تاريخ الإنسانية، لذلك نجد علاقة عقدة أوديب وطيدة جدا بكتابه الطوطم و التابو، فمنذ أن صنع في الإنسان ماهو "سامي"، اصبح محكوم عليه الشقاء في هذه لحضارة

يوظف سيغموند فرويد أسطورته الثانية من خلال مؤلفه " الطوطم والتابو "  اذ ربط  هذه الأسطورة بمجال الأخلاق والحضارة والثقافة بكل ما تحمله هذه الأخيرة من مضامين، تتمثل هذه الأسطورة في نقد ذلك الطابع الأنثروبولوجي الإجتماعي، "وتمثل مادة فرويد المميّزة في الإكتشاف الرمزي لجريمة حدتث في عمق التاريخ وتشّد بخيوطها في الحضارة المعاصرة وكأنما فرويد يكشف عن تلك التقاطعات الكبيرة الرمزية بين المستوى السيكولوجي والتربوي والتجانس بين الكيفية التي وظف بها الرمزية لتفسير نشأة الأخلاق والحضارة، اذ انطلقت هذه الأخيرة من مبدأ " الخطيئة "، التي هي مثل تلك اللعنة الأبدية"[1]( المحارم)،

التي تفسر الآن ولادة الأخلاق والضمير ، فكيف استطاع فرويد  من خلال تفسيره لرمزية هذه الأساطير، لا و من خلال التحليل النفسي وربطه بمسألة الحضارة والثقافة أن يساعدنا علة معرفة ماضي الإنسانية    وتطور القوانين والأنظمة والمحرمات التي ترتبت عن أوّل قانون سنّه الإنسان البدائي ؟  

  • جذور مؤلف الطوطموالتابو

يتألف الطوطموالتابو " من ذروة ما توصل إليه سيغموند فرويد، يتضمن أربعة مقالات، نشرت في البداية تحت عنوان" بعض المطابقات في نفسية المتوحشين والعصابيين" في مجلة ايماغو، المقالتان الاولى والثانية بعنوان " التهيّب من سفاح القربى، ثم التابووازواجية العواطف، صدرتا سنة 1912، أما المقالتان الثاللثة والرابعة " الارواحية والسحر والسحر وطغيان الأفكار، العودة الطفلية للطوطمية"، لكن فرويد أعادنشر هذه المقالات سنة 1913، تحت عنوان " الطوطموالتابو " في فيينا¨، ترجم للإنجليزية ثم إلى عدة لغات أخرى منها اللغة العبرية سنة 1939، ويقول فرويد في كتابه "حياتي والتحليل النفسي"حول عمله المتمثل في كتاب الطوطموالتابو، أن ماأرد أن يحققه من جراء تأليفه مايلي:"وإني لأعلق أهمية كبرى على مشاركاتي في سيكولوجيا الدين،تلك التي استهلت عام 1907 بعقد تشابه ملحوظ، بين عصاب الوسوسةوبين الطقوس والشعائر الدينية، وقبل أن أفهم الصلات العميقة، وصفت عصاب الوسوسة بأنه دين خاص مشوّه، والدين بأنه بمثابة عصاب وسواسي، ثم أدت بي ملاحظات "يونغ "الصريحة عام 1912 في المشابهات القوية بين منتجات العصابيين النفسية وبين منتجات الشعوب البدائية، إلى توجيه انتباهي إلى ذلك الموضوع في أربعة رسائل جمعت في كتاب بعنوان " الطوطموالتابو"[2] حيث أن الفزع من الاتصال بالمحرم، كان أبرز لدى الاجناس البدائية منه لدى المتمدينة، وأنه أدى إلى اتخاذ إجراءات خاصة للوقاية منه، ففحصت الصلاة بين نواهي التابو (أقدم صور القيود الأخلاقي) وبين الإزدواج العاطفي .

اكتشف في التصوّر البدائي للكون الذي ينسب الإرادة للجمادات، مبدأ المبالغة في تقدير أهمية الواقع النفسي (مبدأ القدرة المطلقة للأفكار) الذي يوجد بدوره في أساس السحر، فدقق فرويد في مقارنة ذلك بعصاب الوسواس المتسلط، وتبين أن كثيرا من مسلمات الحياة النفسية البدائية لازالت فعالة في ذلك الاضطراب الغريب .

 ولكن ما شدّه هو " الطوطمية "، التي هي أول أساليب النظام الاجتماعي في القبائل البدائية، وجد كما يقول فرويد " أنه أسلوب اتحدت فيه بدايات النظام الاجتماعي بدين ساذج وسيطرة صارمة لعدد ضئيل من التابو" في ذلك النظام الكائن المقدس هو دائما وأبدا حيوان، تدّعى القبيلة، انها انحدرت منه، ومن الدلائل كثير يثبت أن جنس من الأجناس أيا كانت درجة رقيّه، قد مر لا محالة بطور الطوطمية هذا "

يذكر فرويد أنه اعتمد في دراسته هذه بالضرورة على أعمال "ج. ج. فريزر" وأعماله حول " "الطوطمية والزواج الخارجي" وكتابه كذلك الغصن الذهبي " حيث اعتبر فرويد أن نقطة بدايته كانت من ذلك التقابل البارز بين الأمرين اللذين حرّمتهما الطوطمية، (تحريم قتل الطوطم، وتحريم الاتصال الجنسي بأية امرأة من عشيرة الطوطم نفسها"، وعنصري عقدة أوديب" قتل الأب واتخاذ الأم زوجا مما جعل فرويد يساوي بين الطوطم الحيوان بالأب، فالشعوب البدائية تفعل ذلك صراحة، إذ تقدسه بوصفه الأب الأول للعشيرة ولم يكن يبقى إلا القليل لكي يقرر أن قتل الأب هو نواة الطوطمية ونواة البداية في نشأة الحضارة .

ان البحث في التحليل النفسي للطوطم والتابو، يلح على البحث في علاقته بالإلزام الخلقي، ونظرية الثقافة للطوطم و التابو بالمفهوم الأنثربولوجي الشاسع، " فالحضارة مبنية على أقطاب مركزية، بداية علاقتها " بدارون " ودراساته عن العشائر البدائية، وجانب اثنوغرافي أو انثربولوجي " يتمثل في " روبرتسون سميث " من خلال أعماله عن ديانة الساميين والوليمة أو الطعام الطوطمي، ويقول فرويد كان تحليل سميث، أن القتل والالتهام الدوري للطوطم كان في أزمنة ما قبل عبادة الإلهة المؤنسنة جزء هاما من الدينالطوطمي، كما أن التضحية –القداس - تعني له في الاصل شيئا آخر، غير ما فهم منها في الأزمنة اللاحقة، أي التقرب إلى الإله لاسترضائه واستمالته"، كقطب اكلينيكي أخير يعطي للمجالين الأولين الإثبات العلمي

لقد كان فرويد يطمح منذ بداية أعماله ما قبل التحليل النفسي، لإثبات أن الحضارة طابعها يختلف عن البيولوجيا، وأنها تجلب في طياتها الشقاء، وتقوم على حساب سعادة ورغبات البشر، وقد ألحت عليه هذه الفكرة التي أخذت من درساته سنوات طوال إلىأفصح عن هذا في أحدى رسائله لزوجته على اثر خروجه من عرض لأوبرا كارمن·1883، اذ يقول " السوقة يفسحون المجال أمام شهواتهم، أما نحن نحرم أنفسنا، أننا نحرم أنفسنا لنحافظ على كمالنا، فنوفر صحتنا وقدرتنا على التمتع بالحياة، ونحفظ أنفسنا لأجل لا شيء لا نعرف ما هو"، لقد كانت هنا بذور فكرتة مقابلة لمبدأ الواقع بمبد اللذة، لكن هذا لايقدم الشرح الكافي لمفارقات العصاب الوسواسي والشعور بالإثم، اذ تتطلب مبدأ آخر، فلماذا يًحرم الإنسان على نفسه المتعة؟ فالحال الأبيقوري القائم على الحرمان بغية الحصول على اشباع اكثر، ليس كافيا، اذ هناك نواه ليست نتيجة حسابات غرضية، كما أنها لا ترتكز على الأوهام الدينية، وهذه" النواهي هي انعكاسات للعمل الداخلي لنفوسنا وبالتالي يجب أن يكون واقعا نفسيا، والمحارم تشكل نموذجا للنواهي، وفي المحارم بداهة لا يُسبر غورها كالتي في النواهي الحقيقية، والتي تشبه اللامعقول "

 أما الإنسان الطبيعي الفطري عند فرويد هو مجرّد تخيل بيولوجي، يفترض أن يكون ذلك المتوحش الذي يجهل " الكف " والذي لا يفقه معنى لنهيي أوديب، أي المحارم وقتل الوالدين، هذه الفكرة التي سبق وأن خطرت لديدرو، ولكن الإثنوغرافيين من بعده، لا يتحدثون إلا عن بدائيين أكثر تعقيدا من محرمات لا يمكن تفسيرها، ونواة طوطمية أكثر صرامة من النواهي الحضارية .

  • في معنى الطوطم

في بادئ الأمر نريد أن نشير إلى أن فرويد لم يقتنع بحجج فريزر في تحديد مفهوم الطوطم، لذلك حاول إعطاء مفهوم أخر للطوطم قائلا " إنه بصفة عامة حيوان من الحيوانات التي يؤكل لحمها، مؤذ أو غير مؤذ، مهاب الجانب، والنادر – ماء، مطر- تربط بينهما وبين الجماعة برمتها صلة خاصة، والطوطم هو، في المقام الاول سلف للعشيرة، " أول أب "، وفي المقام الثاني يكون " روحها الحامي وولي نعمتها الذي يبعث إليها النبوءات، ولا يفترس من يعرفهم من العشيرة، وان كان عظيم الخطورة على أولاد العشائر الأخرى، وعلى هذا فإن من يكون لهم طوطم واحد، عليهم التزام مقدس بالإمتاع عن قتل أو اتلاف طوطمهم، وبالامتناع عن أكل لحمه أو التمتع به وبأي صورة أخرى من هذا القبيل "وأي انتهاك لهذا الالتزام – المحضورات – يستتبع آليا بعقاب، كما أن الطوطم قد لا يأخذ صفة حيوان مفترس بعينه، ولا لموضوع مفرد بعينه (من نبات أو قوة طبيعية )، بل لجميع الأفراد التي تدخل في نوع الطوطم، وبالتالي فإنه بين الحين والآخر تقام احتفالات يكرم فيها أعضاء الجماعة الطوطمية أو يحاكون، برقصات طقسية، حركات الطوطم وخصائصه.

يطلق فرويد اسم " الكنيباليين"·، على الأستراليين الذين نجد عندهم نظام الطوطم عوضا عن جميع المؤسسات الدينية والاجتماعية، اذ تتفرع قبائله إلى عشائر وكل عشيرة باسم طوطمها اذ يقول في كتاب الطوطموالتابو " اننا لا نستطيع أن نتوقع من هؤلاء الكنيباليين " الفقراء العراة، أن يكونوا في علاقاتهم الجنسية متمسكين بالأخلاق حسب مفهومنا، أو ان يكونوا أخضعوا دوافعهم الجنسية لضوابط عليا"، فالاستراليين يتوارثون الطوطم من الأم أو من الأب، ويعتبر الانتماء إلى الطوطم هو الأساس لجميع التزامات الأسترالية الاجتماعية، فهو من جهة يوضع فوق الانتماء القبلي، ومن جهة أخرى يتغلب على قرابة الدم " ويرى هنا فرويد أن رابطة الطوطم أقوى من رابطة الدم أو الاسرة في المفهوم المعاصر،وفي هوامش المؤلف يؤكد فرويد أن " الكثير من الباحثين يميلون إلى ان يرو في الطوطمية مرحلة من مراحل التطور التاريخي التي مرت بها كل الشعوب انطلاقا من محاولة فهم كيف توصل أناس ماقبل التاريخ إلى أن يلتزموابطوطمهم"؟ وان كان هذا يعني كيف توصلوا إلى جعل هذا الحيوان أو ذاك اساسا لالتزاماتهم الاجتماعية "، خلاصة هذا هو أن الطوطم يتمثل في قانون أينما وجد الطوطم، " ومن يتبعون طوطم واحد لا يجوز أن تكون بينهم علاقات جنسية ولايمكن ان يتزوجوا فيما بينهم .

كما ان انتهاك الحظر يعاقب عليه بأشد العقوبات من القبيلة كلها في صورة ان القبيلة تدفع عن نفسها ما يهددها، وما يهدد استقرارها، وهذا العقاب يطبق على كل أنواع العلاقات العرضية، والزواج الخارجي، ومن هنا فالطوطم دوره منع الاتصال مع المحرم، أم، أخت، بنت العشيرة، وحتى نساء ليس بعيدات عن قرابة الدم.

  • التابو

Tabou، كلمة بولينيزية الأصل، في العربية محرّم وحرام، كانت تعني عند الرومان القدماء sacer، وايوس لدى الاغريق، وكادوش لدى العبرانيين، اذ كانت تعني ما أراده البولينيزيينبتابوهم، وما أراده كثير من الشعوب في أمريكا وافريقيا (مدغشقر) وفي شمال وأواسط آسيا"[3]، وهي تطلق على ما هو محظور من الأفعال والأشياء، لا لسبب عقلي أو علمي، بل لسبب وهمي واعتقادي، فالإنسان البدائي يعتقد أن مخالفة الحرام تجلب شرا مستطيرا مثل المرض او العمى أو الموت .

 أما معنى التابو عند فرويد، فيتشعب إلى اتجاهين متعاكسين ومن وجهة أخرى، رهيب، خطير، محظور مدني، وعباراتنا المهابة القدسية، تتطابق غالبا مع معنى التابو، وهو اقدم مجموعة قوانين غير مكتوبة لدى البشرية، وهو أقدم من الآلهة وأسبق من الأديان، وفي مقابل القدسية هناك الدناسة "مدنّس" التي تأتي من انتهاك المحرم، و التابو أنواع:

أ – تابو طبيعي او مباشر، ناتج عن قوة سحرية ملازمة للشخص او السيئ، ب-تابو منقول، غير مباشر، يصدر عن تلك القوة قد يكون مكتسبا أو ممنوحا من قبل كاهن أو زعيم عشيرة، ج-تابو متوسط بين النوعين السابقين.

ومن ينتهك التابو يصبح هو نفسه، تابو وبعض المخاطر التي تنشأ عن انتهاك تابو، يمكن اتقاء شرها بالكفارات وطقوس الطهارة"،أما أصول التابو فتتأتى من الغرائز البشرية البدائية المتمثلة في الخوف من الجن مثلا، والأرواح الشريرة، وكيفية اتقاء شرها، لقد حاول فرويد أن يبين لنا ذلك التناقض بين المقدس والنجس، وهنا ينطلق فرويد من الواقع، هذا الواقع الذي تعالى عنه كانط في إنشاء القانون الأخلاقي، وتبقى رؤية النقص في الطبيعة الإنسانية هو همزة الوصل بينه وبين كانط، هذا ما أدى إلى ضرورة التحكم في الرغبات والأهواء وإلى أن مصدر الالزام الخلقي ينبع من الباطن، أما الالتزام عند فرويد فينشأ بالتقمص، والامتثال، ومن الآباء والمربيين والسلطة والمجتمع، ويقول فرويد "الضمير هو الإدراك الداخلي لخلجات رغبوية مستنكرة متواجدة فينا ..فالتابو أمر ضميري وانتهاكه يبعث على نشوء رهيب بالذنب، وهذا الشعور بديهي بقدر ماهو مجهول المصدر"

  • رمزية أسطورة قتل الأب :

تقف دلالة هذه الأسطورة على رمزية قتل الأب، اذ يرجح فرويد أن" السمة الاساسية للشعوب البدائية هي " رهاب زنى لمحارم " لكن الرّغبة في ارتكاب المحارم يشكل سمة طفلية أساسية بشكل يبعث على الدهشة مع ما يعرفه عن الحياة النفسية للعصابيين، حيث يرى في الموقف المحرم تجاه الأهل هو العقدة المركزية للعصاب "[4]

 ولا يمكن اختزال عقدة أوديب إلى وضعية واقعية أكثر من أنها تشق فاعليتها، كونها تؤدي إلى تدخل سلطة مانعة (أي تحريم العلاقة الآثمة بالمحارم )، فتسد السبيل أمام الإشباع الطبيعي المبتغيى، فرهاب زنى المحارم هو قاعدة الحد الأدنى الكونية لتمايز الطبيعة عن الثقافة "، وتجاوز عقدة أوديب هو شرط ضروري للفرد للتحول إلى كائن إنساني والانخراط في عالم الثقافة، والإنفتاح على الآخر.

أما عقدة الأب أثناء نشوء النوع الإنساني، فهي التي أشار إليها فرويد من خلال أهم مؤلفاته، اذ افترض أن الإنسان كان يعيش في الماضي في قبيلة بدائية يتزعمها أب قوي وغيور، فتملك هذا الأب على جميع نساء القبيلة، وأبعد عنهم أبناءه الناشئين الذين كانوا يحبونه ويعجبون به، فكانوا في الوقت نفسه يخشونه ويبغضونه، بسب وقوفه عقبة أمام سبيل اشباع رغباتهم الجنسية، ومن هنا نشأ هذا الموقف المبني على التناقض الوجداني، اذ نشأت عقدة الأب عند الأبناء، وهي عقدة أوديب الأصلية التي تكونت في بداية نشوء النوع الإنساني، " حينما قرر الأبناء قتل الأب اذ يقول سيغموند فرويد: " وقد تجمع هؤلاء الأبناء البعيدون فيما بعد وقتلوا أباهم وأكلوه "، اذ حققوا بأكلهم لأبيهم كراهيتهم له، وارضوا رغبتهم بالتماثل معه، حينما حلو محل الأب، اي الرغبة التي يشعر بها كل منهم، وبعد ذلك اتخذت دوافع الحب نحو الأب الذي قتله أبناءه تظهر مع الوقت بوضوح، حيث أخذ الأبناء يندمون على الذنب الذي اقترفوه، ودفعهم الاحساس بالذنب إلى وضع قواعد وقوانين فيما بينهم، هذه القوانين تحرم عليهم ما سبق، وان كان قد حرمه عليهم الاب الذي قتلوه ويقول في هذا الصدد " لقد كمن في الحالة، التي نجمت عن التخلص من الأب، عنصر كان لابد أن يخلق في سياق الزمن تصعيدا غير اعتيادي للحنين إلى الأب" ونقلا من فرويد عن "غوته يقول:¨" في البدىء كان الفعل "، اذ أنه فعل غادر خسيس تمثل في قتل الأب زعيم العشيرة وجريمة قتله هي (الخطيئة الأصلية )، اذ أدرك الابناء أن المصير الذي حلّ بالأب سوف يحل بالضرورة بأبناءه من بعده، ما لم يؤلفوا حلفا بينهم يحرم القتل والزواج من داخل القبيلة، وهكذا نشأ التنظيم الاجتماعي الذي ارتكز على قاعدتين من النواهي الأخلاقية، تحددها نتيجة جريمة قتل الأب، لقد كانت نشأة المجتمع نتيجة لازمة عن قتل أب وزنى محارم

منذ ذلك الحين تعيش الإنسانية هاجس وجودي يدفع بالإنسان إلى التحرر من التبعات الأخلاقية للخطيئة الأزلية والتكفير عنها، لقد قرر الأبناء في هذه التراجيديا الإنسانية، التنازل التدريجي والمنظم، عن إشباع ميولهم البدائية الوحشية لصالح النظام الاجتماعي، وقد شكل هذا التنازل - كما يرى فرويد- أساس النظام، والعدالة والقانون، والقيم الأخلاقية في المجتمعات الإنسانية القديمة، وقد شكلت هذه الأنظمة – وفقا لهذه الرؤية -مهد الحضارة ومنطلقها الإنساني، وذلك لأن الحضارة لا تقوم إلا على مبدأ الإيثار ونكران الذات، وتنظيم الإشباعات الغريزية تنظيما اجتماعيا أخلاقيا يراعي مبادئ العدالة والحق والخيروالجمال.
يبين فرويد، في هذا السياق، أن التخلي الإرادي الواعي عن الإشباع المباشر للرغبات الطبيعية والميول البدائية، ولاسيما الجنسية منها، قد أصبح بديلا لعملية المنع القسري الخارجي (سلطة الأب المقتول)، ومن ثم فإن الضبط الذاتي لعملية إشباع الرغبات والميول قد أسس للمعايير والقيم الأخلاقية في المجتمع، وعلى هذا النحو تشكلت الحضارة الإنسانية، كنتيجة طبيعية لانتصار الأخلاق في مواجهة الدوافع الهمجية الأولى.

 

--------------------------------------

[1] - وطفة على أسعد، الوليمة الطوطمية في سيكولوجية فرويد، ضمن، مج، أنفاس من أجل الثقافة والإنسان، 8 ماي، 2016

¨ - فِييَنَّا (هي عاصمة النمسا وأكبر مدنها من حيث عدد السكان. وسميت بهذا تطويرا عن اسمها اللاتيني القديم (فيندوبونا) ومعناه الهواء الجميل 

[2] - فرويدسيغموند، حياتي والتحليل النفسي، مصدر سابق، ص 100

  • اوبرا كارمنهي أوبرا مسرحية ألفهاجورج بيزيه مكونة من اربعة فصول وعرضت أول مرة في "المسرح الوطني للأوبرا المسرحية" في باريس، تعتبر هذه الأوبيرا أشهر أعمال جورج بيزيهوالمبنيه على رواية تحمل نفس الاسم كتبت في عام 1846م ألفها الكاتب الفرنسي بروسبيرمريميه
  • الكانيباليه- Cannibalism - اوأكل البشر للحوم البشر، بتعرف علمياً كمان بإسم أنثروبوفاجى - Anthropophagyy، عاده قديمه مارسها البشر فى كل حته فى العالم وكانت لغاية وقت مش بعيد بتتمارسفىجزرفيجىوغرب ووسط افريقياوسومطره ولسه موجوده فى مناطق فى غينيا الجديده.

[3] - الحنفي عبد المنعم ن مرجع سابق، ص 421

[4] - عباس فيصل، مرجع سابق، ص 294

¨يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 - 22 مارس 1832) هو أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثاً أدبياً وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة