العقل المؤنث في تاريخ الفلسفة قراءة في فلسفة إمام عبد الفتاح إمام النسوية

 

المؤلف: الأستاذ مونيس بخضرة

المؤسسة: شعبة العلوم الانسانية، جامعة تلمسان

مخبر البحث : الفينومينولوجيا وتطبيقاتهابجامعة تلمسان

البريد الالكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

 

 

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى<< وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون>> النحل 58-59.

<فها هو يايرس يخر عند قدميه قائلا: ابنتي الصغيرة على آخر سمة ليتك تأتي لتضع يدك عليها لتشفى وأمسك يسوع بيد الصبية وقال لها: هليثا قومي (أي يا صبية أو لك قومي) فقامت الصبية ومشت >  (مرقس الإصحاح الخامس: 22-33).

في كوميديا <مجلس النساء> لأرستوفان Aristophane التي مثلت عام 392 ق م، تقول براكساجورا Braxajura في حوارها مع جاراتها: نعم !... أرى أنكن قد قمتن بما ينبغي...فمعكن أردية أزواجكن وعصيهم وأحذيتهم....

الجارة: وعقولهم !

براكساجورا : لا.... لسنا في حاجة إلى عقولهم !... تكفينا أحذيتهم وعصيهم...

براكساجورا: تلتفت إلى الجميع : أصغين إليّ أيّتها النساء !.....

إن غايتنا التي من أجلها نجتمع منذ زمن، وهدفنا الذي نرمي إليه منذ أمد، وحلمنا الذي نسعى لتحقيقه، ونرجو أن يتحقق اليوم- هو كما تعلمن: أن نتسلم نحن في أيدينا شئون الدولة، فالدولة- كما تعرفن- تسير الآن كأنها سفينة ضالة في بحار عميقة القاع، وهي عاطلة من المجاذيف والشراع...

الجارة: نعم !... لو تسلمنا هذه السفينة لغزلنا لها في الحال بمغازلنا ألف شراع !...

براكساجورا: تلتفت إليها منتهرة: ألن تكفّي عن ذكر الغزل والمغزل؟ !...

امرأة: كلامك جميل يا براكساجورا !... لكن نستطيع – نحن النساء- أن نحكم الدولة؟ !... كيف نجرؤ بقلوبنا الضعيفة على مخاطبة الشعب؟ !...

براكساجورا: من قال أن قلوبنا ضعيفة؟ !...ينبغي أن نقوم في شجاعة بهذا العمل العظيم !...فإن لم نسارع نحن إلى إنقاذ الدولة، فلن ينجيها أحد من الهلاك !... تقف موقف الخطابة وتقول:

أوجه توسلاتي إلى الآلهة، وأسألها أن توفقنا إلى إصلاح الأمر. إنه ليدمى قلبي أن أرى الفساد قد دّب في جسم الدولة كما يدب الموت البطيء، وأن أردى الدولة قد ألقت بشئونها في أيدي رؤساء، لا يعنيهم من أمر الدولة غير أنفسهم ومن يحيط بهم من الأخطاء...كلهم يرى الدولة دائرة ضيقة هم مركزها، ومحيطها الأنصار والأصدقاء. أما ما خرج عن هذا المحيط فإن أبصارهم لا تستطيع أن تمتد إليه !...

لم يأت بعد رجل استطاع أن ينظر إلى البعيد قبل القريب، ولم يظهر رجل جعل الدولة كلها دائرة واحدة، مركزها النفع العام، وأخرج نفسه منها ليسهر عليها من عل، كأنه إله !...

إن كلما عقدنا الأمل على رجل، وحسبناه المصلح المنشود خاب الظن، وطفا على لجج السخط العام حكمه العفن، كما تطفو الجيف، وانتشرت في الجو رائحة الفساد المعهود. إنها لحال كادت تدعو إلى اليأس المميت، لو لم أجد لكم أيها الناس دواء له فعل السحر !...

الجارة: يا له من خطيب قادر !...

انطلاقا من هذه الخطابات الثلاثة، المتباينة المنزلة، الموحدة في الموضوع. الخطاب الرباني الذي مثلته الآية القرآنية، والخطاب الرسولي الذي مثلته حادثة إشفاء يسوع Jésus للصبية المريضة، والخطاب البشري الذي احتوته وقائع كوميديا برلمان النساء لأرستوفان، نستخلص مدى عمق الموضوع الذي حملته هذه الخطابات، وأهميته الحضارية والاجتماعية والتاريخية، ألا وهو موضوع المرأة، ودورها الفاعل في استمرارية النوع البشري وترصيع تاريخه بلحظات فريدة، يستحيل حدوثها من دون حضور المرأة، ولعل تأكيد الخطابات الثلاثة على طبيعة المرأة، ككائن له خصائص جوهرية يتفرّد بها عن كائنات أخرى، لأمر يضعنا أمام مسئولياتنا التاريخية نحن الذكور، لما تعرضت له من تشوهات ثقافية حادة في حقها، ولمعاناة قاسية تحوّلت مع مرور الزمن إلى قسم لا يمكن أن تعيش من دونه(1).

إذ يعد موضوع المرأة وقضاياه المتنوعة، أكثر المواضيع الاجتماعية التي شغلت بال المفكرين والمثقفين، وأخذت حيزا كبيرا من مساحات التعبير عنها في الفن والمسرح والأدب والفلسفة والتاريخ، ويعود سبب ذلك في نظري إلى أن المرأة هي الوعاء الذي ينشأ فيه المجتمع ويتطور، وكلما كان هذا الوعاء قويا ومحاطا بالعناية إلا وكان مجتمعا منسجما ومتماسكا، ينحى نحو أهدافه الاجتماعية التي تجعله يستمر نحو الأفق، وبتعبير الأخر إلى كون المرأة هي أكبر مساهم في تشكيل الشخصية بأدوارها في الأمومة والتربية. وهذا الذي يجعل منها القاعدة التي تبنى عليها الإنسانية، بقيمها وأخلاقياتها وسننها.

تحت ضغط كل هذه المزايا الكونية التي تتوفر عليها المرأة، تحرّك أحد كبار الفكر الفلسفي في العالم العربي، بفكره وتأملاته التبصّرية، موظفا كل أدواته المعرفية والمنهجية وما احتواه تاريخ الفلسفة الطويل من نظريات ومذاهب فلسفية متباينة، لفهم المرأة، وهو الفيلسوف المصري إمام عبد الفتاح إمام Imam Abdel-Fattah Imam . ليس فقط كونها بشرا، وإنما أيضا بما أنها ظاهرة أنطولوجية معقدة phénomène ontologique ، يستحيل التعامل معها دون فهم عميق.

 المرأة هي ظاهرة كباقي ظواهر الطبيعة. ظاهرة عاقلة  phénomène rationnel ، لها سحرها وجمالها وطيبتها وعنفها. فهي ظاهرة مركبة Un phénomène complexe من أبرز معالم الظواهر الأخرى العديدة، يرشدها عقل أنثوي، بها تستهوي العقل الذكوري. فهي ظاهرة نشأت من التنوع وأسراره، نشأت في جدل مع العقل الذكوري الذي يسعى لكشف هذه الأسرار، وهنا يكمن الإشكال !.

المرأة، موضوع مستشكل، وهذا الذي جعلها حاضرة في تاريخ الفلسفة، وإن جاز لنا أن نقول أن المرأة هي الفلسفة عينها La femme est la philosophie . إذن فليس تاريخ الفلسفة إلا هو تاريخ للمرأة Histoire des femmes ، ومن هذه المقاربات الفهميّة، نجد أن صعوبة تعريف الفلسفة هي نفسها صعوبة تعريف المرأة وفهمها. فكلاهما متقلبتان، مراوغتان. كثيرا ما تدفعان العقل الذكوري في لحظة من لحظات يأسه، الابتعاد عنهما، ونسيانهما للأبد، إلا أنه لا يستطيع، ويهمّ بالعودة إليهما.

اشتغال المفكر إمام عبد الفتاح إمام على سؤال المرأة  la question des femmes ، هو اشتغال اجتماعي حداثي Le fonctionnement d'un social moderne بامتياز، يسترعي الاهتمام والتفكير. ولعل إدراك إمام عبد الفتاح إمام لأهميتها في صناعة الحضارة المتطلعة، وأمام التراجع الحضاري الكبير الذي يعيشه عالمنا العربي على جميع المستويات، رأى أن سر حداثتنا العربية الممكنة، يكمن في إعادة بناء تصورات صحيحة وحقيقية  لنصف المجتمع الأساسي الذي هو المرأة. وبما أن المرأة بصفة عامة، والعربية منها على وجه الخصوص، ظلت تعيش التشوهات الثقافية والاجتماعية بأسباب شتى أهمها، دينية وعرفية وتاريخية، فضّل معالجة هذا القسم من المجتمع لإعادة إحيائه من جديد إحياءا تنويريا. ومن هذه الزاوية اعتبرنا فلسفة إمام عبد الفتاح إمام النسوية، فلسفة حداثية تنويرية Philosophie moderniste des Lumières.

أما مكمن جدّة حداثته الفلسفية، فهي تعود إلى فتحه لملف شائك، يتقاطع مع الكثير من الأحكام الفقهية والاجتماعية والعرفية والتاريخية التي خصت المرأة، وبالتالي تناوله لهذا الملف هو محاولة منه لإعادة بناء تاريخ جديد للمرأة Construction d'une nouvelle histoire pour les femmes. تاريخ يتطابق مع مسلمات العقل المنفتح والمتحرر من ترسبات التاريخ المثقل بالأخطاء، خاصة عندما نجده يشدّد على تطبيق الفكرة الهيجلية الخالدة، التي ترى أن الفكر يبني الواقع ويرممه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تعود إلى مناقشته لأسئلة المرأة التاريخية، وهي أسئلة مزمنة، تعاقب على حلحلتها كثير من الفلاسفة على غرار ما فعل إمام عبد الفتاح إمام،  الذي جعلته يعود ليحفر جينيالوجيا في أصل المرأة، لعله يعرف حقيقة جيناتها الفكرية والسلوكية، وعندما عدنا معه في مسيرته هذه، تبيّن لنا أن المنجزات البشرية الكبرى، كانت منجزات مشتركة بين الرجل والمرأة، تحمل خصائص الذكورة والأنوثة، فكيف تحامل الرجل على نفسه وأقصى المرأة منها؟، يتساءل إمام عبد الفتاح، كيف لا، والوجود كله قائم على الذكورة والأنوثة ؟ !.

أمام قوة المفكر إمام عبد الفتاح إمام التحليلية، تساءلنا عن مصدرها، وعن السبب الذي جعله يهتم بهكذا مواضيع في الثقافة العربية المعاصرة. دون تفكير، وجدناها تعود إلى تكوينه الهيجلي وتأثير فلسفته عليه بقوة، خاصة وأنه استغرق حياته الثقافية كلها في فهم الفلسفة الهيجلية  la philosophie de Hegel ، فأبدع فيها وأدخلها إلى العالم العربي، وسارت الهيجلية بفضله تنطق بلسان عربي، مؤلفا وحاضرا فيها، وترجم كل أعمال هيجل العديدة من لغتها الأصلية إلى اللغة العربية. ولم يتوقف عند هذا الحد فحسب، وإنما تتبع تطورها بعد رحيل صاحبها وتأثيرها في الفلسفة المعاصرة، حتى أصبحت فلسفة كونية، بها صار إمام عبد الفتاح إمام أحد معالم الهيجلية المعاصرة.

والفلسفة الهيجلية بأفكارها الشاملة، تحيلك إلى عدة أسئلة، منها المتعلقة بالوجود، والحياة والفن والدين وغيرها بما فيها سؤال الأنوثة العامة  Question générale de la féminité ، أي أنطولوجية الأنوثة féminité ontologique ، وحتى الأنوثة العاقلة féminité rationnelle التي هي إحدى أنواعها، خاصة ما تناوله في قسم المنطق الكبير الذي فصّل فيه طبيعة الوجود والموجودات، وفي هذا الباب، أحسب نفسي تلميذه، حين تتلمذت على مؤلفاته هيجلية في إعداد أطروحاتي العليا حول فلسفة هيجل.

في كل الأحوال، بصمات إمام عبد الفتاح إمام في الفلسفة عموما، والهيجلية منها على الخصوص، بارزة للعيان، وذات تأثير هائل على الباحثين العرب في مجال الفلسفة، إلا أن بحوثه الفلسفية في إشكالية المرأة، فهي بحق تشكل علامة فارقة في مجال البحث الفلسفي العربي، حيث أنه خصص لها مساحات واسعة من الكتابة والبحث فيها، وما زادها أهمية وقيمة، هو تسليطه للروح الهيجلية في حرث موضوع المرأة، وهي روح ديالكتيكية شاملة، لا تهمل التطورات التاريخية منها، وتقلبات ظاهرة المرأة التاريخية بين الظهور والاختفاء، أي بين المكتسبات الإيجابية والانكسارات السلبية، فكلاهما لهما دور في بناء المعرفة وفق هيجل، التي تعد إستراتيجية هيجل الشاملة في معرفة الشيء وبنائه، وهي نفسها التي اعتمدها فيلسوفنا في مقارباته لسؤال المرأة، وعليه نجده يلامس حقيقة المرأة وأحوالها في تدرجها التاريخي برؤية فلسفية، من خلال التنقيب عنها في الخطابات الأسطورية القديمة والدينية، وفي الثقافة الإغريقية عبر مدارسها الكبرى ومواقف فلاسفتها منها، ثم وضعية المرأة في الحقبة المسيحية وفلاسفتها وفي الفلسفة الحديثة وتجاربها المريرة وأخيرا في الفلسفة المعاصرة. فالرجل يكاد أن يكتب لنا قصة المرأة l'histoire des femmes على شاكلة قصة الحضارة l'histoire des civilisations ل- دويل ديورانت Will Durant ، في سلسلته الطويلة والشهيرة التي سمها: سلسلة الفيلسوف والمرأة.

ونحن كقراء، وحتى نتمكن من قراءة فلسفته حول المرأة، وجدنا أنفسنا من الضرورة أن ننعطف معه عبر سلسلته لإعادة تقديم مآثره الفلسفية حول إشكالية المرأة.

المرأة في فلسفة إمام عبد الفتاح إمام....مقاربة حداثية

مشروع إمام عبد الفتاح إمام، هو دعوة لنبذ الفكرة الساذجة والتي تصلبت في تاريخها التي تقول: أن عقل المرأة أقل من عقل الرجل شأنا وقدرة، أو أن تفكيرها يغلب عليه العاطفة والانفعال، وأن أحكامها يسيطر عليها الاندفاع والتهور، وتنقصها الرؤية والتدبر، فلا الدين يقول شيئا من ذلك، ولا العلم يعترف به، ولا التاريخ يشهد بصحة شيء منه، وليس إلا هو قول تقليدي رجعي بعيد كل البعد عن الحداثة المرجوة وآفاقها.

والأمر الذي أثار اهتمام الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام حول هذه المقولة الساذجة، هو عندما صدرت عن فلاسفة كبار على غرار المعلم الأول(أرسطو Aristote)، ثم شاعت بعده في العالمين العربي والغربي معا، نظرا لمدى تأثير أرسطو عليهما على حد سواء، وأصبحت كما يقول فيلسوفنا، هي الهادي والمرشد عن المرأة بصفة عامة، كما أصبحت المرأة في المخيال العام كائن ناقص، لا دور لها في الوجود سوى الإنجاب وتربية الأولاد، وأخطر ما في نظرية أرسطو هذه كما يرى إمام عبد الفتاح، هو أنه يذهب أن الطبيعة التي لا تفعل شيئا باطلا، هي التي جعلت المرأة على هذا القدر من الدونية، وليس للعادات والتقاليد أو أفعال المجتمع  بدخل في تحديد هذه الدونية، والعجيب أن مجتمعاتنا العربية تلقفت هذه النظرية بغبطة- كحاجة في نفسها- وراح يضفي عليها شيئا من القداسة(2).

وحتى يحطّم إمام عبد الفتاح صنم هذه النظرية، يحاول أن يفتّش عن طريق شواهد التاريخ، أن هناك امرأة واحدة تفلسفت أو برهنت على رجاحة العقل وصواب الفكر عندها، فيقول: فإننا نهدم بذلك ألاف الأمثلة الإيجابية التي يقول بها أصحاب الفكرة الأروسطية المتخلفة التي تغمض العين حتى لا ترى نماذج مضيئة لنساء راجحات العقل، صائبات التفكير، سديدات الرأي على نحو ما. فقد جرت العادة التي أصبحت أقرب إلى البداهة الواضحة بذاتها أن تقول: إن تاريخ الفلسفة،  لاسيما الفلسفات القديمة، هو تاريخ الفلاسفة من الرجال، وبالتالي ليس من المألوف أن يكون هناك نساء فلاسفة، حيث أن بدايات الفلسفة الأولى المسجلة في بلاد اليونان في القرن السادس قبل الميلاد في منطقة أيونيا  Ionia ، أنتجها قلة من الرجال هم ثلاثة: طاليس  Thales ( 585ق م) وأنكسمندر Onksmender (565 ق م) وأناكسمنس Onaksmons (546 ق م)أعضاء المدرسة الأيونية  l'école ionique. إذ هم طبيعيون، ثم توالى موكب الفلاسفة من الرجال: هيراقليطس Herakulait وفيثاغورس  Pythagore وبارمنيدس Parménide وزينون xénon وأناكساغوراس Onxagoras وديمقريطس  Damgaritts ، إلى أن نصل إلى العصر الذهبي للفلسفة اليونانية في عصر سقراط Socrate وأفلاطون  Platon وأرسطو. ثم يسير الركب حتى نصل إلى الحركة التوفيقية في القرن الثالث المسيحي حسب اللوحة الفلسفية التي رسمها إمام عبد الفتاح إمام.

ولو أننا استعرضنا تاريخ الفلسفة الغربية حسب ما يرويه المؤرخون من أمثال فيندلبنت  Vindbannt ، وكونوفيشير Kounovichir وكوبلتون Koppelton واميل برييه Emile Brier، بل حتى المؤرخون الفلاسفة الكبار على غرار هيجل  Hegel وبرتراند راسل Bertrand Russell، لوجدنا أنه استعراض لأفكار الرجال الفلاسفة ومذاهبهم، فإننا لا نجد عندهم إشارة إلى نساء فلاسفة باستثناء فيلسوفة واحدة تنتسب إلى الأفلاطونية المحدثة، يذكرونها في عجالة وهي هيباشيا  Hepashia ، فيلسوفة إسكندرية philosophe d'Alexandrie (3).

وهنا يتساءل إمام عبد الفتاح إمام، عدم ذكرهم لفيلسوفات طوال تاريخ الفلسفة، الذي يفسره بسبب اعتقادهم أن المرأة رقيقة العواطف وانفعالية، وليس لديها القدرة على التفكير المجرد، وأن الفلسفة في حد ذاتها عقلا، والنساء ناقصات في قدراتهن العقلية، فهن لا يبلغن من الذكاء والعبقرية مبلغ الرجل كما قال أرسطو، وأعجب العجاب أن تجد في بلادنا يقول إمام عبد الفتاح، ما يردد هذه الأفكار المغلوطة والمتخلفة والآراء الخاطئة إلى الإسلام العظيم.

والواقع أن الحملة التي تشن ضد عقل المرأة، والزعم بعدم قدرتها على التفلسف، والقول بأن تاريخ الفلسفة هو تاريخ الفلاسفة الذكور، هذه الحملة تتغافل الدور البارز الذي تلعبه الظروف الاجتماعية والدينية، ناهيك عن استعباد الرجل للمرأة وسيطرته عليها لزمن طويل، فتاريخ المرأة هو تاريخ عبودية، وما ترتب عن ذلك كله من عدم إتاحة الفرصة للنساء أن يتعلمن وإظهار قدراتهن الفعلية.

وهناك تغافل لدور البيئة في كبح قدراتهن، وإمام عبد الفتاح يقارن هذه الحملة المضللة في حق المرأة بالحملة التي يمارسها الغرب في حق الشرق ومردوده الفلسفي والعلمي.

إن القول بأن عقل المرأة أقل في كفاءته من عقل الرجل، وأن الأنثى ليس لديها القدرة على التفلسف، يشطر العقل البشري إلى شطرين، وهو قول ظاهر البطلان، و هو يشبه القضية التي كثيرا ما أثارها  المستشرقون حول إمكانية العقل العربي وقدرته على التفلسف، وإنكارهم أن هناك فلاسفة مسلمين . فالكندي Kindi, والفارابي Al-Farabi وابن سينا Ibn Sina وابن رشد Ibn Rushd ، ليسوا سوى نسخ باهتة من أفلاطون وأرسطو وليس لديهم القدرة على الخلق والإبداع، ومن ثم ليست لديهم فلسفة خاصة بهم، وهنا يستند إمام عبد الفتاح بالعقاد Akkad الذي فنّد أباطيلهم حينما قال: (من ضروب التجني التي لا تحمد من العلماء أن يقال أن العقل العربي لن يستطيع التفلسف بحال من الأحوال)4.

وهنا يتوصل إمام عبد الفتاح إمام إلى نتيجة مفادها، أن البيئة التي عاشت فيها المرأة طوال التاريخ، وما يشكلها من عوامل وظروف اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية، هي التي منعت المرأة من التفلسف وليس بسبب نقص عقلها أو خلل ذاتي. الظروف التي مرت بها المرأة، هي التي مكنت الرجل من استعبادها ووضعها في زاوية منعزلة من الدار يطلق عليها لفظ الحريم. وعندما خضع الرجال لطغاة التاريخ، حرموا عليه التفلسف على نحو ما فعل الإمبراطور الروماني (نيرون Nero) وغيره، سلوك ساهم في اختفاء الفلسفة، ومعنى هذا، أن الرجل لو كان في وضع المرأة ومرّ بهذه الظروف نفسها لعجز عن التفلسف والإبداع.

والواقع كما يرى إمام عبد الفتاح إمام، أنه رغم خضوع النساء الطويل لسيطرة الرجال واستبعادهن من الحياة الثقافية العامة، وإتاحة الفرصة على أي نحو للتثقف والتفلسف، فإننا نستطيع أن نجد هنا وهناك نساء لامعات، لهن دور في البحث عن الحكمة منذ فجر الفلسفة. صحيح أنه دور صغير وبسيط لكنه يثبط علة أي حال قدرتهن على القيام بدور أكبر إذا ما أتيحت الفرصة وتغيرت البيئة المناوئة، التي تعمل على كبت قدراتهن وتمنعها من الظهور، وكما أننا نجد أنه كان هناك كتب لفلاسفة ذكور، لكنها فقدت ولم يبق منها سوى فقرات، فسوف نجد ذلك بالضبط مع النساء الفلاسفة، فلم يبق لنا مثلا من كتابات( إيزارا Isar) سوى شذرات قليلة عن كتابها(عن الطبيعة البشرية  La nature humaine)، وكما أن تاريخ الفلسفة الغربية يبدأ من اليونان في القرن السادس ق م بالمدرسة الأيونية، فكذلك يبدأ تاريخ النساء الفلاسفة في القرن نفسه، بالمدرسة الفيثاغورية école pythagoricienne.

لقد حظيت المرأة الفيثاغورية بفرص هامة مكنتها من القراءة والكتابة، وقبل كل شيء من التفكير والمناقشة وإعمال العقل، ووقفت على قدم مساواة مع رجل، وكان الاعتقاد السائد عند الجماعة الفيثاغورية، أنه على الرغم من أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل، فإنها لا تقل عنه أبدا من حيث القدرة ولا من حيث القيمة، ومن هنا، فقد كانت النساء الفيثاغوريات مثقفات لهن اهتمامات فكرية وأدبية بارزة، وقد عشن إبان تأسيس المدرسة الفيثاغورية الأولى وكانت (ثيانو  Thiano) زوجة فيثاغورس أشهرهن جميع، وقد قامت مع بناتها الثلاث: أريجنوت  Erajnoc ومييا Mia ودامو Damo برئاسة المدرسة الفيثاغورية وإدارتها بعد وفاة مؤسسها فيثاغورس.

ولم تكن الفيثاغوريات في المدرسة الأولى هن النساء الفلاسفة الوحيدات في العالم القديم، بل هناك كثرة كثيرة، وقد قام جيل ميناج  Gelminaj (1612-1692) وهو محامي مثقف وباحث في علوم اللغة والكلاسيكيات في القرن السابع عشر، بدراسة النساء الفلاسفة في العالم القديم، وذهب إلى أنه كشف منهن خمسة وستون امرأة فيلسوفة. وقد سجل هذا الاكتشاف في كتاب بعنوان( تاريخ النساء الفلاسفة Histoire des femmes philosophes) ونشره عام 1690، وهو كتاب بالغ الأهمية، أنه شكّل إسهاما مبكرا في جانب مهمل من تاريخ الفلسفة، ومن التاريخ العقلي للمرأة بصفة عامة. ولقد أصبح نقطة انطلاق في بحوثه جديدة في هذا الموضوع(5).

وكما يذكر ديوجيين اللايرسي  Daugiyn Allaersi ، أن أول امرأة في مضمار الفلسفة كانت (كليوبولينا Cleopolina حوالي 600 ق م) التي يرجح أنها أم طاليس  Thales ، والذي وصفها بأنها أحكم امرأة رفقة هيبو Hippo إبنة خيرون الحكيم و لاميرو Amero الملقبة بفيلسوفة ردوس، ونجد أيضا الفيلسوفة التي خصص لها أفلاطون محاورة كاملة وهي أسبازيا  Spazia معلمة البيان، واعترف لها سقراط على أنها واضعة الخطاب الجنائزي (ليركليز). ونجد أيضا ديوتيما Diotima معلمة سقراط ونظريتها عن الحب وخلود النفس، على نحو ما عرفها أفلاطون في محاورة المآدبة، كما نجد أيضا جوليا دونة Julia Domina أو جوليا الفيلسوفة Julia philosophe ، والفيلسوفة ماكرينا القديسة الزاهدة، والفيلسوفة  المصرية التي ضاع صيتها في العالم القديم(هيباشيا فيلسوفة الإسكندرية)، وأيضا سوزان ستيبنج Susan Stabenj, ( 1885- 1943) الفيلسوفة وعالمة المنطق الإنجليزية، وسوزان لانجرSusan Langer (1895-1985) فيلسوفة الجمال الأمريكية، وسيمون دي بوفوارSimone de Beauvoir (1908-1986) الفيلسوفة الوجودية الفرنسية التي كتبت ( الجنس الأخر) وعن الأخلاق و عن الشيخوخة، و من الألمان نجد الفيلسوفة حنا أردنت Hanna Erdnt, (1906-1975) التي هربت من الزنزانة إلى الولايات المتحدة، و أصبحت منظرة سياسية ، فقد كتبت أصول الحكم الشمولي و عن الثورة وعن العنف والحرية وحياة العقل، كل هذا يسرده إمام عبد الفتاح حتى يكشف عن يقظة المرأة الفلسفية(6).

العقل الأنثوي في الخطاب الأسطوري:

لقد تناول الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام العقل المؤنث وأدواره في الوجود، في الكثير من الخطابات الأسطورية القديمة الموزعة في نصوصه الفلسفية التي اشتغلت على المرأة، والقصد من ذلك، هو تعرية التشوهات التي تشكلت في حق المرأة داخل هذه الخطابات، والتي اعتبرها أنها هي أولى الخروقات الزائفة التي تكونت في موضوع المرأة، وهذه الطريقة البحثية، هي طرقة معاصرة ناجحة، تمكننا من الإحاطة الشاملة بالموضوع حتى في أبعاده الأسطورية وما هو مهمّش، من أجل الكشف على العلاقات المتناقضة التي ربطت من جهة المرأة بالرجل ومن جهة أخرى المرأة بالعالم.

فمثلا نجد أن الأسطورة الهندية القديمة تروي قصة خلق الرجل والمرأة، فتقول أن (تواشتري  Twastrae) الإله المبدع خلق الكائنات جميعا، بعد أن خلق الرجل وأراد أن يخلق المرأة، اكتشف أن مواد الخلق قد نفذت كلها، ولم يبق لديه من المواد الصلبة شيء يخلق منه المرأة. وإزاء هذه المشكلة، راح يصوغ المرأة من فتات وقصاصات يجمعها من هنا وهناك، فأخذ من القمر استدارته، ومن الشمس إشراقتها ومن السحب دموعها، ومن الأزهار شذاها، ومن الورود ألوانها ومن الأغصان تمايلها، ومن النسيم رقته، ومن النبات رجفته، ومن النار حرارتها ومن الحمام هديله، ومن الكلب وفاءه ومن الكروان صوته، ومن العسل حلاوته ومن الحنظل مرارته، ومزج من هذه العناصر كلها فكانت منها المرأة، فوهبها للرجل الذي أقبل عليها وأخذ بيدها وسار بها إلى جنته(7).

لكن لم يمض على وجودها معه سوى شهر واحد، حتى أسرع الرجل إلى الإله المبدع وهو يجر المرأة من يدها بعنف وهو يقول: يا إلهي، هذه المخلوقة التي وهبتها لي، قد أحالت حياتي جحيما لا يطاق، فانقلب النعيم الذي كنت فيه شقاء، فهي ثرثارة لا يكل لسانها عن الكلام ولا يمل، وهي تطالبني بأن أرعاها رعاية مستمرة، وإذا رجعت من صيدي مرهقا ونمت أيقظتني لكي أسليها مدعية أنها مؤرقة، فإذا خاصمني النوم وأرقت نامت، لهذا كله فقد جئت لأردها إليك، لأنني لا أطيق العيش معها.

فقال الإله: ها تها، وانصرف.

ولم يمض على ذلك سوى شهر واحد حتى عاد الرجل ليقول: يا إلهي، لقد رددت هذه المخلوقة التي وهبتها لي، فأنا أشعر منذ ذلك الحين بالوحدة، بل أنني أحس بالوحشة لا تطاق، ولم أكن أشعر بها من قبل كما أن حياتي أصبحت فراغا، لقد افتقدت حديثها الممتع، ودعابتها المرحة، وعبثها المسلي، فهلا أرجعتها لي مرة أخرى، فأنعم الإله النظر فيه ثم قال: أجل، خذها فهي لك.

وبعد أيام قليلة عاد الرجل ليقول: يا إلهي إنني في حيرة، إنها سر مغلق لا يمكن كشفه، لغز محير، لم أستطيع فهمه، إنني لا أستطيع العيش معها، لكنني لا أستطيع العيش بدونها، وتستمر الأسطورة لتكرر الشيء نفسه مع المرأة التي جاءت بدورها تشكوا من الرجل: يا إلهي، إن هذا المخلوق الذي وهبتني له، قد ضقت ذرعا من أنانيته وقسوته وغروره، إنه لم يحسن عشرتي إلا يوما واحدا، ثم بعد ذلك كان يغضب إذا دنوت منه ولا يصغي إلي إذا حادثته، وإذا أشرت إليه برأي سفهه، وإذا فعلت فعلا قبحه، وإذا هفوت هفوة أقام الدنيا وأقعدها، اللهم اجعل بيني وبينه سدا، فيبتسم الإله ويشير بيده، فإذا الجنة التي كان يسكنانها جنتان، بينهما سد عال، لا تستطيع المرأة بأن ترى رجلها، لكنها سرعان ما تعود بعد أيام قليلة للإله وهي تبكي: لقد اكتشفت يا إلهي في الأيام القليلة الماضية، أني لا أستطيع أن أعيش من دونه، لقد ظللت طوال هذه المدة تائهة أترقب، إذا تحرك غصن ذعرت، وإذا عوى ذئب نهضت والرعدة في مفاصلي وأغلقت الباب وبقيت ركن الحجرة أرتجف، ولقد كنت من قبل أجوب الغابة أجمع الثمار غير هيابة، وأنا أعلم أنه ورائي يحميني، كنت إذا دعوته هرع إلي، وإذا استصرخته سارع لنجدتي، لا، لا، إني لا أقوى على فراقه، إنه جاري وحصني وأماني ومعقلي وملاذي، فأعادها الإله له وهو يقول: اذهبي إليه، هو لباس لك وأنت لباس له، وكل منكما يسعد صاحبه ويشقيه ويشكوا منه، وهو راغب فيه، كل منكما مرآة يرى فيها الأخر حسناته وسيئاته ومحاسنه وعيوبه(8).

إذا كانت هذه هي الصورة العامة عن المرأة وعلاقتها بالرجل في الأسطورة الهندية، فما هي حقيقتها في الأسطورة الإغريقية يا ترى، سواء تلك التي سردها هوميروس  Homer أو هيزيود  Heyzeod ؟.

الحق أن الأساطير الإغريقية صورت وضع المرأة في السماء كما هو الحال على الأرض، ألم تكن تعبيرا أمينا عن أحلام البشر؟، فقد كانت الأسرة الإلهية في جبال أولمب  montagnes Olmb تتألف من زيوس Zeus وإخوانه وأبنائه الستة. ثم ابن (هيرا Hera) وحدها المسمى هيفاستوس  Hivastos ، الإله الأعرج الذي ولد قبل اكتماله، وهو إله الحدادة والبراكين، والطريف أن زيوس باعتباره كبير هذه العائلة كان يستأثر بكل امتيازات الرجل اليوناني وحقوقه. فقد تزوج من هيرا وتمت مراسيم هذا الزواج على الأرض المقدسة، ثم أصبحت هيرا ربة الزواج التي تساعد غيرها من النساء على الزواج، وتقف بجوارهن أثناء الحمل والولادة. لكنها كانت هي نفسها تعاني كأي زوجة يونانية من متاعب لا حصر لها مع زيوس- كبير الآلهة ورب الأسرة- فهو رغم مكانته لم يكن زوجا مخلصا. فكان يخون زوجته ويتحايل بشتى الطرق للاتصال بغيرها من النساء، سواء كن إلهات أو بشرا، ومن ثم فقد أضاعت هيرا معظم وقتها في تعقبه للكشف عن خياناته والإيقاع به والانتقام من عشيقاته، لكنه كان يضاعف من صعوبة مهمتها قدرة زيوس الإلهية على التخفي، وتقمص أشكال متنوعة أدمية أحيانا وحيوانية أحيانا أخرى، مما جعل من العسير اكتشاف أعماله وفضح أساليبه.

هنا نلاحظ أنها لم تحاول خيانته قط، فهي بوصفها زوجة مخلصة، وبما أنها ربة الزواج فلا يجوز لها أن تدنس فراش الزوجية مهما فعل زوجها، وهذا هو المثل الأعلى للزوجة اليونانية، ولهذا نراها تصبح غاضبة في اجتماع الآلهة الخالدين كأي زوجة مخلصة أرهقتها خيانة زوجها تقول: أنصتوا إلي أيتها الآلهة، وانظروا كيف يجلب لي زيوس العار والمهانة. وهو أول من يفعل ذلك الفعل المشين بعد أن صرت له زوجة، أي زيوس.

أيها الوحش المخادع، كيف استأثرت أن تلد أثينا؟، أو لم يكن في وسعي أن أنجب لك طفلا.، أو لست زوجتك؟ إنني سأعمل من الآن على أن أنجب ابنا سوف يكون درة بين الآلهة، وسأفعل ذلك دون أدنس فراشك أو فراشي، ولن أتصل بك بعد اليوم لكني سوف أهجرك(9).

وتروي الميثولوجيا اليونانية أيضا، أن زيوس هو الذي أدخل الجنسية المثلية إلى بلاد اليونان، فقد كانت ابنته هيبة الجميلة ربة الصبا والشباب، تحمل لديه ساقيه وحاملة لكؤوسه، فلما تزوجها هرقل اضطر زيوس إلى البحث عن تدعيم آخر، فاتخذ صورة نسر وطاف يحلق في ملكه الواسع حتى رأى الراعي الجميل(جانميد  Ganymede) ابن ملك طروادة Trojan نائما فوق ربوة، وكان الجمال يشع من وجهه، فأيقظه وطار به إلى أولمب، واتخذه نديما وخليلا وأعطى لأبيه في مقابل ذلك مجموعة من الجياد. وباختصار كان لزيوس عدة عشيقات فيما يشبه (الحريم) إلى جانب زوجته الشرعية، لكنه كان رجلا خائنا لعهود الزواج ميئوسا من إصلاحه، ولم يكن أمام زوجته إلا الاستسلام، وهذا ما كان يحدث على الأرض، فقد كان الإغريق من الشعوب التي تمارس الزواج الو احدي، أي تؤمن بزوجته شرعية واحدة، لكنهم كانوا يمارسون لا شرعية الجنسية.

وما كان يصدق على زيوس أكبر آلهة، ينطبق على بقية الآلهة الخالدين، فقد كان بوزيدون Poseidon إله البحر كأخيه زيوس مزاوجا وله عدة عشيقات، فقد تزوج كثيرا من عرائس البحر وحوريات الينابيع وأنجب منهن كثيرا من الأبناء قاموا بأدوار هامة في الأساطير، كما كان أبنه( تريتون  Triton) جامع الشهوة مغتصبا للنساء(10).

يستنتج الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام أن المرأة في الميثولوجيا كانت ضعيفة ومغلوبة عن أمرها، ليست لها حقوق واضحة حتى وإن كانت من الآلهة، وهن ثلاث آلهات: أثينا Athènes وهستيا Hestia وأرتميس Artemis، وهن عذارى رفضن الزواج من جميع الخطباء، فأصبحت الأولى راعية للحرف والصناعات المنزلية، والثانية هي ربة الموقد، أما أرتميس، فهي ربة الحيوانات الصغيرة التي تحمي الصغار من كل نوع، ولهذا لقبت (بالربة الأم). أما أفروديت Aphrodite اللعوبة، التي كانت ربة الجنس والبغاء، وعلى أثرها كانت مدينة أثينا تعترف بهذه الربة عمليا، فأصبح البغاء شيء رسمي معترف به من قبل الدولة، وتقوم بفرض الضريبة على البغايا، وهن في الأغلب من الأجنبيات اللاتي يمارسن هذه المهنة كمصدر للرزق، بها أصبح العهر في المدن اليونانية مهنة مزدهرة ومنتشرة على نطاق واسع.

العقل المؤنث في الثقافة اليونانية في العصر الكلاسيكي

بعدما استخرج إمام عبد الفتاح إمام المتون المختلفة لصورة المرأة في الخطابات الميثولوجية القديمة، انتقل إلى العصر الكلاسيكي  اليوناني، الذي يعد العصر الذهبي الذي ازدهرت فيه المدن اليونانية وعلى الخصوص أثينا وإسبرطة، الذي يبدأ من القرن السابع ق م إلى غاية نهاية القرن الرابع ق م، وحال المرأة اليونانية فيه لم يتغير كثيرا عن قدمته لنا الأساطير القديمة من صور، برغم ازدهار ثقافته. فقد ظلت الوظيفة الأساسية للمرأة الحرة إدارة المنزل وتربية الأطفال، ويعني بالمرأة الحرة المواطنة الأثينية الأصلية، ذلك لأننا نجد في أثينا في ذلك العصر صنفين من النساء إلى جانب الجواري: صنف ماكث في البيوت، يرعى شؤون المنزل، وهي امرأة كانت تحظى بشيء من الشرف، التي كانت تلقب بالمرأة الحرة. أما الفئة الثانية، فهي فئة النساء الأجنبيات، وهؤلاء لا قيود عليهن، ففي استطاعتهن الخروج في أي وقت وعمل يرونه مناسبا.

المرأة الأجنبية لم تكن لها حقوق مثل المرأة الحرة الأصلية، ولا امتيازات لها في أية مدينة يونانية، وليست جديرة بحماية المدينة، ولا تشرع لصالحها أية قوانين، وإنما عليها أن تهتم بمصالحها بطريقتها الخاصة، وأن تجد رجلا حرا، يقوم لها بأعمال رسمية وكانت الدولة تحرص في مسألة النساء الأجنبيات هذه لا يدنس المدينة ويدنس طهارة دم المواطن الحر، حتى لا يرث الحقوق والامتيازات والممتلكات إلا من هو أثيني.

 وعليه شرعت القوانين التي تمنع أي مواطن من الزواج من امرأة أجنبية  أو العكس ولو حدثت فهي جريمة شنيعة يعاقب عليها القانون، ولا يمكن أن تعيش النساء الأجنبيات في عذرية تامة. فالعقل الإغريقي نفسه يأبى ذلك، وهكذا شكلت النساء الأجنبيات طبقة جديدة  لمتعة الرجل الأثيني، فقد وجد فيها ما كان ينقصه في المنزل وهي طبقة تبدأ من الفانيات إلى سيدات الصالونات، وهكذا انتقى الرجال من النساء الأجنبيات خليلات ورفيقات وصديقات مثقفات( فهن الطبقة الوحيدة المثقفة ولها مهارة عقلية، يدرسن الفنون، ويعرفن الأفكار الفلسفية وتياراتها الجديدة، ولهن اهتمامات منوعة بالسياسية، والنساء المثقفات على هذا النحو لا بد أن يكن موضع تقدير، وفي هذا المقام يروي سقراط أن واحدة منهم هي ديوتيما Diotima علمته فن الحب، وهي امرأة من مانتينيا  Mantinaa. وليست هي المرأة الوحيدة التي يحدثنا عنها سقراط، ولعل التوقف قليلا عند هذا النوع من العلاقات، يكشف لنا جانبا متوار من أراء فلاسفة العصر في المرأة. فسقراط الذي كان يحب زوجته في المنزل ويحتقر عقلها وتفكيرها، يسعى للقاء النساء المثقفات وتوجيههن الوجيهة لتكوين علاقات متينة مع الرجال(11).

ولتدليل إمام عبد الفتاح هذه الأفكار، يستشهد برواية ازينوفون  Xénophon: أنه عندما سمع سقراط عن امرأة جميلة في المدينة تستقبل الأصدقاء، وأن جمال هذه المرأة يفوق الوصف حتى أن المصورين يذهبون لرسمها، قال لرفقائه، ينبغي علينا أن نذهب لرؤيتها، إذ لا يمكن  أن نفهمها جيدا بمجرد الاستماع لما يرويه الآخرون، وذهب إلى منزل تيودوتا، فرآها وهي ترسم وجهها، وأعجب بجمالها الفتان. سألها سقراط سقراط، من أين لك المال الذي تنفقين؟، ألديك ممتلكات منزل يدر عليك بدخل، أو عبيد يمارسون الحرف اليدوية، فأجابت بأن دخلها من أصدقاء كرماء، عاد سقراط ليسألها عن وسائلها في جذب هؤلاء الأصدقاء وينصحها بنسج شباك أشبه بخيوط العنكبوت لصيد الرجال، اصطياد الرجال فن ينبغي أن تتعلميه، ألا ترين عدد الفنون التي يستخدمها الصيادون لاقتناص الأرانب البرية، وهي حيوانات ضئيلة القيمة، فلما كانت الأرانب تتغذى ليلا، فإنهم يجلبون الكلاب لاصطيادها ليلا، ولما كانت تختفي نهارا فإنهم يستخدمون نوعا آخر من الكلاب، يعتمد على حاسة الشم نهارا، ولما كانت سريعة فإنهم يستخدمون كلابا في غاية السرعة، فضلا على أنهم يضعون في طريق الأرانب شباكا لإيقاع بها، ويستطرد سقراط قائلا: بدلا من كلاب، يمكنك اختيار شخص يستطيع تعقب الأغنياء من محبي الجمال ثم يسوقهم إلى شباكك.

ثم يصف لها أنواع الشباك، من استخدام العقل إلى الحديث المعسول إلى التعاطف ورقة القلب، ونظرات العيون، ويحذرها من أن تقدم نفسها للأصدقاء وهم في حالة شبع، وإنما عليها الانتظار حتى يشعروا بالرغبة إليها إلى آخر تلك النصائح الفعالة(12).

ومن هذا الوقائع يخلص إمام عبد الفتاح إمام، يستخلص ملاحظتين مهما:

الملاحظة الأولى: أن المجتمع الأثيني كان مجتمعا أبويا، الرجل هو السيد والمالك لجميع الحقوق المدنية والسياسية. فهو المالك للأرض والعقارات. ومن ثم المالك للأسرة بما في ذلك الأبناء والزوجة، فمن حقه أن يرفض أي طفل من ذريته عند ولادته، وهو الذي سن التشريعات ما يراه مناسبا لدعم هذه الحقوق حتى ولو كان التشريع غريبا، كالقانون الذي يبيح الإجهاض إذا ما أراد الأب ذلك، أما إذا فعلت المرأة ذلك دون رغبة الأب، فتتعرض لعقوبة قاسية.

الملاحظة الثانية: إن المسألة مرتبطة بالملكية مادية أو معنوية و بالميراث، وهده الملكية التي يريد الأب أن يرثها أبناء من صلبه، هي التي جعلته ينظر إلى المرأة نفسها على أنها جزء من ممتلكاته، وسوف نجد هذا التعبير نفسه عند أفلاطون، عندما يتحدث عن نظرية امتلاك النساء، أو حيازة امرأة خاصة يكون من واجبها إنجاب أطفال من صلب رجل يطمئن إلى نقل ممتلكاته إليهم. أما المرأة الأجنبية فهي عشيقة، مهمتها إمتاع الرجل وتسليته، دون أن يكون لها الحق في إنجاب الأطفال حتى لا تفسد المجتمع بدماء غريبة.

أفلاطون والمرأة

تناول أفلاطون إشكالية المرأة في أكثر من محاورة، وخصوصا في محاورة الجمهورية والقوانين والمأدبة. يقول أفلاطون في الجمهورية:( سنكون على حق لو جنبنا عظماء الرجال ذلك العويل والنحيب وتركناه للنساء)، حتى يثبت أولئك الذين نربيهم من أجل حراسة الدولة وعلى احتقار مثل هذا الضعف والخور، هم رجال لن ندعهم يحاكون امرأة شابة كانت أو مسنة، تعنف زوجها أو تتطاول على الآلهة  غررا بنفسها أو تندب حظها العاثر، أو تستسلم للعويل والنحيب، ولا جدال أننا لن ندعهم يحاكونها وهي مريضة  أو هي تحب أو تلد طفلا(13).

قد تبدو هذه النصوص التي يفتتح بها أفلاطون تربية الحراس غريبة بعض الشيء ، فهو قبل أن يعرض برنامج التربية ينبهنا إلى ضرورة استبعاد العنصر النسائي، فنحن يقول أفلاطون نريد رجالا قبل كل شيء، ومن ثم لا نقبل من يحاكي النساء، حتى يكون حارسا مثاليا للمدينة الفاضلة.

وهنا يرى إمام عبد الفتاح إمام، أن أفلاطون وهو يضع المقدمات العامة لنظامه في التربية، يحذرنا من أن تترك الحراس يتشبهون بالنساء أو بأسلوب أنثوي، وهو أسلوب كان ينفر منه جدا، لكنه يقول أيضا(كذلك ينبغي ألا يحاكوا العبيد ذكورا أو إناثا في أحوال عبوديتهم)، ونستطيع أن نستنتج أن أفلاطون يصنف النساء دائما في أحاديثه مع العبيد والأطفال والأشرار والمخبولين من الرجال,

أفلاطون لا يتحدث عن المرأة كأنثى بأي قدر من التعاطف، وفي الكتاب الخامس من الجمهورية، يناقش أفلاطون موضوع شيوعية النساء، وهو في هذا الموضوع يطرح فكرة المساواة بين الجنسين، فهو يتصور أن الرجال بمثابة كلاب الحراسة ترعى القطيع، والنساء مثل إناث كلاب الحراسة، عليها أن تسهر كالذكور على حراسة القطيع، ومعنى ذلك أن على الجنسين أن يقوما معا بالحراسة.

الحراس هم الجهاز المحرك للدولة ذاتها، فهم الذين يدافعون عليها ويديرون شؤونها، فأولئك الذين يحكمون ويمسكون بزمام السلطة وقت السلم، هم أنفسهم الذين يدافعون عن الدولة وقت الحرب، ومن هنا، فقد شغل أفلاطون نفسه باختيار هذه الطبيعة وتعليمها، وهذا الاختيار الدقيق يجعلنا نغفل أمر التفرقة بين الجنسين فيما يقول ألكسندر كورييه، فمع أن المرأة بصفة عامة أضعف من الرمل.

نخلص من ذلك إلى أن أفلاطون في محاورة الجمهورية لم يكن داعيا إلى تحرير المرأة أو إلى مساواتها بالرجل، فهو يعبر بالعكس، عن احتقاره للمرأة، ويحذرنا من أن نجعل الشباب يقلدونها. ولا بد أيضا أن نلاحظ أيضا أن كراهية أفلاطون للمرأة قد عبر عنها بإسهاب في محاورة الجمهورية، فهو لا يتحدث عنها فيها إلا بشيء من الاحتقار ويضعها ضمن ممتلكات الرجل، ولا يريد أن تكون العلاقة بينهما مبنية على المشاعر والحب والصداقة، بل أرادها علاقة لا شخصية بما أنها كائن مهان في نظره. وفي هذا النقطة بالضبط يبرر إمام عبد الفتاح سبب عدم زواج أفلاطون في حياته(14).

وإذا كان أفلاطون قد بدأ بتحذير الشباب من محاكاة النساء في كتاب الثالث من الجمهورية، فقد انتهى في الكتاب الثامن إلى التعرض إلى الربط بين المرأة وانحطاط الحكم، فهو يطرح هذا السؤال كيف تتشكل صورة الشباب الطموح في نظام الحكومة التيموقراطية؟.

أما في محاورة القوانين، فإننا نجده في محاورة القوانين يتحدث عن نظام الأسرة والملكية والزواج التقليدي، وتظهر فيها من جديد وظيفة المرأة الطبيعية، كما يظهر فيها سلطان الرجل في الأسرة البطرياركية، إذا تظهر مرة أخرى حضور الآلهة  في قوانين أفلاطون المتعلقة بالزواج، ورغم خيانة زيوس في الميثولوجيا الإغريقية. إلا أن أفلاطون ينظر إليها من النماذج العليا المقدسة للزواج، وهكذا نجد بقايا الميثولوجيا في محاورة القوانين الأفلاطونية على نحو ما كانت شائعة في العادات والتقاليد والتراث اليوناني عموما لاسيما في أثينا وإسبرطةSparta. وعلى أساسها راح أفلاطون يفرض غرامات على كل من يرفض الزواج. في هذا الشأن يقول بعبارة مماثلة في المأدبة( الزواج هو الطريق الذي يمارس فيه الجنس البشري الخلود، فلا بد للرجل أن يؤكد الطبيعة الخالدة، بأن يترك أطفالا وأحفادا ليندموا الإله من بعده)(15)، وفضلا عن ذلك، فإن الأسرة هي مصدر العادات الموروثة من الأسلاف والقوانين غير المكتوبة. ويحدد أفلاطون عن الزواج بالنسبة للفتى والفتاة، بنفس التفاوت الذي كان قائما عند اليونان، فالشاب حدد سن زواجه بين الثلاثين والخامسة والثلاثين عاما، أما الفتاة فقد حدد سن زواجها بين ستة عشر وعشرين سنة، فإذا رفض الفتى الزواج وتجاوز هذا السن يعاقب بغرامة معينة.

أما الفتاة، ففي جميع الأحوال لابد لها أن تتزوج ولا يحق لها أن ترفض، فليس لها في الأغلب مشورة في ذلك، فبزواج يتحقق الخلود في نظر أفلاطون.

يعتبر أفلاطون أن الدولة هي مخولة على اختيار مجموعة من النساء العجائز، للإشراف على الزواج، وعلى هذه المجموعة أن تجتمع يوميا في معبد آلهة أثينا للتباحث في أمور الزواج، وتقديم تقرير مفصل عن الأشخاص المؤهلين للزواج من الجنسين، وأيضا تنفيذ وصايا الزواج وإتمام مراسيم الزواج، ورعاية فترة الحمل والإنجاب، ومدة الإشراف على الزوجين حددها قانون أثينا بعشر سنوات لا أكثر، عندما يكون الزواج مثمرا، ولكن إذا استغرقت هذه المدة من دون إنجاب، فسوف ينصحهما بضرورة الطلاق وهذا لمصلحتهما معا، وهذا دليل على رقابة الدولة المستمرة لفترة الزواج والإشراف عليه.

أما ما يتعلق بالميراث، فلم يكن للمرأة الحق فيه، والابنة لا ترث والدها، وإنما يرثه فقط ابنه، وكان الأب يختار أحد أبنائه الذكور لذلك إن كانوا كثرين، تقول مونيك بيتر Monique Peter ( هناك حالة خاصة في القانون اليوناني، هي حالة اليتيمة التي لا شقيق لها يرث والدها، فلما كانت هي شخصيا أن ترث، فقد كانت تجد نفسها مضطرة للزواج من أحد أقربائها لأبيها كي يبقى الورث داخل الأسرة، فإن كان هذا القريب متزوجا حق له أن يطلق زوجته، بشرط أن يؤمن لها زوجا أخر، وتتابع قائلة إذن أن نقدر إلى أي حد كانت المرأة تعتبر شيئا أو وسيلة)(16).

هذا الوضع المزري للمرأة في القانون اليوناني حافظ عليه أفلاطون دون تغييره في محاوراته التي تناول فيه قضية المرأة.

المرأة و الجنسية المثلية  Les femmes et l'homosexualité

يتناول الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام إشكالية المثلية الجنسية في المجتمع اليوناني عامة وفي فلسفة أفلاطون على وجه التحديد، التي من خلالها تمكن من إظهار موقع المرأة الحقيقي من الدائرة الجنسية في الحياة اليونانية.

 إذ كانت حياة المرأة في المجتمع الأثيني حياة سرية خاصة، تبقى طي الكتمان، بحيث يحبس اسم السيدة المصون في البيت كما يقول ثيوكيديدز  Theokededz. أما الرجل فمن العار أن يبقى في المنزل، إن عليه أن يقضي حياته خارجه كما يقول زينوفون  Xénophon ، وفي الأسواق والحياة العامة والسياسة والندوات، وفي هذا الخروج لا يصاحبه فيه إلا أشباهه من الرجال الذي تربطه بهم رابط الصداقة والمحبة، وهو رباط كثيرا ما يتحول إلى علاقة جنسية. وهكذا كان الارتباط وثيقا في المجتمع الأثيني بين الجنسية المثلية، وعزلة المرأة في منزلها لإنجاب النسل لا غير، فقد كانت الجنسية المثلية شائعة في اليونان، فقد كان أكبر من ينافس النساء هم الغلمان، وكانت العاهرات ينددن بما في عشق الذكور من فساد كبير.

حيث أن تجار أثينا كانوا يستوردون الغلمان الحسان ليبيعوهم في أسواق أثينا، وكان هؤلاء يستخدموهم لأول الأمر لقضاء شهواتهم الجنسية، ثم يستخدموهم فيما بعد كعبيد. ولم يكن في أثينا من يعتقد أن ثمة عيبا في أن يثير الشبان شهوة رجال المدينة ويشبعوا هذه الشهوة، ولم تكن نلك الممارسات أيضا شاذة مقتصرة على أثينا فحسب، وإنما امتدت إلى جميع المدن اليونانية، فقد كانت منتشرة في اسبرطة، وفي محافل الموائد التي نبذها أفلاطون فيما بعد، أما أرسطو فقد برر انتشار هذه الظاهرة في كريت  Crète تبريرا عجيبا حينما قال( أن المشرع الكريتي فصل بين الرجال والنساء حتى يقلل من نسبة المواليد، كذلك أباح لنفس السبب العلاقات الجنسية بين الذكور)، وهكذا يعلل أرسطو انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي Le phénomène de l'homosexualité بالخوف من ازدحام البلاد بالسكان. أما أفلاطون، فقد هاجم الجنسية المثلية واحتقرها، وحط من شأنها، بل وحرمها في محاورة القوانين.

لكن الغريب حقا، أنه لم يدن الجنسية المثلية بما هي كذلك، ففي محاورة خرميدس  Khrmides ، نجد فيها سقراط وقد عاد من الحرب، يسأل أصدقاءه عن الشباب، ومن منهم صار أكثرهم جمالا من غيره، فيقال له إنه الشاب( خرميدس)، ومع أن سقراط كما يقول عن نفسه كان يؤمن بجمال الشباب جميعا، فالغالبية العظمى من الشباب، فإنه ينبهر عندما يرى خرميدس ويقول: أشهد أنني أخذت بجمال هذا الفتى ولقوامه، كما افتتن به جميع الرفاق.

 ويروي أفلاطون، أن الشاب دخل القاعة وخلفه فريق من العشاق، ويسأل شيفرون Chevron سقراط عن رأيه في جمال وجهه: ما رأيك يا سقراط في وجه هذا الشاب؟ أليس رائعا؟، ويجيب سقراط: أكثر من رائع !فيقول شيفرون: لكنك سوف تقول إن وجهه لا شيء إذا ما رأيت جسده عاريا، فهو كامل الأوصاف من كل وجه، ووافق الجميع على ذلك(17).

وفي محاورة ليسس، نجد هيوتاليس Hautalas يدعو سقراط لزيارة حلبة للمصارعة حيث الأصدقاء هناك، وعندها يسأله سقراط عمن يفضل من هؤلاء الأصدقاء، يحمر وجهه وتزداد نبضات قلبه، فيستنتج سقراط بحكمته أن الشاب يحب قائلا: لست في حاجة إلى أن تقول لي أنك في حالة حب، فاعترافك سيجئ متأخرا. إذ من الواضح أنك لست في حالة حب فحسب، بل غارق في الحب حتى الأذنين، إنه على الرغم من أنني لا خبرة لي في مسائل أخرى، فقد وهبتني الآلهة تلك القدرة التي تمكنني من أن أكتشف في الحال المحب ، فيحمر وجه الشاب ويتورد أكثر فأكثر، وعندما يعرف سقراط أن محبوبه يسعى للبحث عن ذلك، وعليه يهنئه (هيباثليس  Habathlees) على ذوقه الرفيع، ثم يسأله عما إذا كان عما إذا كان يعرف ما الذي ينبغي على المحبوب أن يقوله في مثل هذه الحالات، ويعطيه خلاصة تجاربه، وهي كلها دروس يقدمها سقراط تثبت انتشار الجنسية المثلية في أثينا.

غير أن أفلاطون، فقد عدل رأيه تدريجيا عندما تقدمت به السن، فدعا إلى الحد من هذا الانحراف في محاورة الجمهورية، وتبنى قاعدة على المحب أن يقبل محبوبه ويقترب منه ويلمسه وكأنه ولده مستهدفا غرضا شريفا.

وفي محاورة القوانين، بشن أفلاطون حملة عنيفة على الجنسية المثلية ويصفها بأنها (الحب غير الطبيعي)، ونتيجته خطيرة على الفرد والمدينة، ويجب وضع قوانين صارمة تحاربه.

أرسطو والمرأة:

ينطلق إمام عبد الفتاح إمام في قراءته لمواقف أرسطو للمرأة من فلسفته بصفة عامة، على أن أرائه الفلسفة حول المرأة هي تابعة لنسقه الفلسفي، من خلال إسقاط مقولاته الفلسفية على المرأة كظاهرة من ظواهر الطبيعة، وهنا يؤكد إمام عبد الفتاح، أن أرسطو استفاد من نظريته المعرفية في فهم طبيعة المرأة، فهو منذ البداية يسعى إلى الوصول إلى معرفة فلسفية عن المرأة، ويعرف حقيقة وضعها الاجتماعي، وكيف طبق نظرياته على تحليل الأسرة، وبما أن أرسطو يفسر الوجود تفسير تراتبيا، أدنى يخدم الأعلى، فكان من المعقول أن تخدم المرأة الرجل، فرجل هو الأعلى و المرأة هي الأدنى، ثم كيف أصبحت المرأة هي الهيولى والرجل هو الصورة،وعلى هذا النحو تتعدد وظيفة المرأة، وباختصار نرى كيف نقل أرسطو ميتافيزيقاه وطبقها على عالم المرأة.

وهكذا يعلن أرسطو منذ البداية أن هناك هيراركية اجتماعية وسياسية داخل المجتمع اليوناني نفسه، فقد أقامت الطبيعة تعارضا في كل مكان بين الأعلى والأدنى، بين النفس والبدن، بين العقل والشهوة، بين الإنسان والحيوان، بين الذكر والأنثى.

وحيثما وجد هذا الاختلاف بين موجودين، فإن ذلك يكون لمصلحتهما معا، أن يحكم أحدهما ويطيع الأخر. وتتجه الطبيعة إلى إقامة مثل هذه التفرقة بين البشر فتجعل أحدهما أقوى وأقدر على العمل، والآخر إصلاح الحياة السياسية، ومن هنا كان بعض الناس بالطبيعة أحرارا وبعضهم عبيدا(18).

وهذا ما يذكره فرنسيس بيكون Francis Bacon عن أرسطو، من أنه كان ينقل فكره المنطقي والميتافيزيقي إلى الطبيعة، ولعل أوضح ميدان تظهر فيه هذه الفكرة في قراءته لنظرية المرأة، هو ميدان البيولوجيا، فهو يبحث عن الصورة والهيولى، ولما كانت الصورة أرقى فلا بد أن تكون هي الرجل، بما يترتب على ذلك من تداعيات تظهر الرجل أرجح عقلا من المرأة.

كانت البيولوجيا المرجع العلمي الذب اعتمده أرسطو في بحوثه الاجتماعية، فقد كان يعتقد أنها تدرس موضوعات ثلاثة رئيسية هي:

1-مشكلة الإنجاب والتوالد

2-مشكلة الإحساس

3-مشكلة الحركة(19).

أما الإنجاب من والد واحد، فقد كان أرسطو يعتقد أنه يتم في مملكة النبات، وفي بعض الحيوانات التي تشبه النبات في سكونها وعدم حركتها. والواقع أن نظرية الثالثة هي التي سيطرت عل اهتمامه، وهي في الوقت ذاته النظرية التي تهم موضوع المرأة، وذلك لأنه ناقش فيها بعض المشكلات الهامة ذات صلة بالمرأة.

لقد اهتم أرسطو كثيرا بمسألة الإنجاب، ورأى أنها من عمل الطبيعة، أكثر من غيرها بالنسبة للكائنات الحية الناضجة أو مكتملة النمو، وهي وظيفة الطبيعة في هذه الكائنات، لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الخلود، غير أنه الذكر هو وحده في الواقع الذي يحقق الخلود، لأنه هو الذي يزود الجنين بالروح، وهنا تكمن أهمية الأنثى في الإنجاب. فإذا أردنا أن نفهم وظيفة المرأة كما عرضها أرسطو في كتاب السياسة فهما جيدا، كان علينا أن نعود إلى ما كتبه في البيولوجيا.

قدم أرسطو في مقالته( توالد الحيوان) تعريفا للذكر والأنثى على النحو التالي: يختلف الذكر في تعريفه عن الأنثى بما له من ملكات خاصة، فنجن نعني بالذكر ذلك الذي ينسل من الآخر، ونعني بالأنثى تلك التي تنسل من داخل ذاتها، بحيث يخرج النسل من باطنها، وهو النسل الذي كان موجودا في التناسل من قبل(20).

ومثل هذا التعريف، لا يشير إلى جوانب خاصة بالتشريح فحسب، وإنما يشير كذلك إلى مراتب ودرجات في الوجود. فهناك قدرات خاصة موجودة عند الذكر لكنها غير موجودة عند الأنثى، ولهذا فسوف يكون لكل منهما دور خاص في عملية الإنجاب، ووظيفة تختلف عن الأخر، ومن هنا سيكون الذكر باستمرار وبطرق شتى أرفع قيمة وأعلى مقاما من الأنثى.

فلننظر في مساهمة كل منهما في الإنجاب على أن يكون في ذهننا باستمرار المفاتيح الأساسية عند أرسطو، التي تشكل الأساس الميتافيزيقي للنظرية، كما تشكل الأساس في بناء الكون بأسره، ومن ذلك مثلا فكرة المراتب، كذلك الفكرة التي تقول أن كل شيء في هذه الحياة يتألف من هيولى وصورة، ولأن الصورة ولأنها: الروح أعلى وأهم من الهيولى التي هي المادة. فهذه الأفكار كلها أساسية في البيولوجيا الأرسطية، يقول أرسطو: في جميع الحيوانات  القادرة على الحركة، ينفصل الذكر عن الأنثى، ليصبح أحد هذه الحيوانات، ذكر والآخر أنثى، على الرغم من أنهما متحدان في النوع، مثلما نقول إن الرجل والمرأة موجودان بشريان. والفرس والمهرة كلاهما خيل. وأما في حالة النبات، فتندمج هاتان القوتان معا بحيث لا ينفصل الذكر عن الأنثى، ولذا فهما ينسلان من ذوات نفسهما ولا ينتجان حيوانات منوية بل بذورا.

من هذا التحليل، تظهر تطبيقات أرسطو الميتافيزيقية على دراسة الكائنات، فإذا كانت هناك هيراركية في الكون وفي السياسة، أيضا هي موجودة في البيولوجيا، التي تظهر التراتبية التصاعدية في عالم الحياة، إذ تسير الطبيعة متدرجة من الأشياء الجامدة إلى الكائنات الحية أو الحياة الحيوانية، بتلك الطريقة التي تجعل من المستحيل وضع خط فاصل بينهما.

إذن، الذكر هو الذي يهب الصورة أو الروح، لدماء الطمث التي هي أشبه بالمادة الميتة، ومن هنا، كان الذكر هو الذي يقوم بوظيفة العلة الفاعلة في حين أن الأنثى لا تقدم سوى الهيولى. فدماء الطمث في الأنثى تقابل الحيوانات المنوية في الذكر، أي الدم الفائض الذي عجزت الأنثى، نظرا لدونية الحرارة الحية عندها، أن ينطبع عليه السائل المنوي. ولما كان هذا السائل هو الصورة، فإنه يقوم بوظيفة العلة الغائية أو الصورة في النسل، في حين تكون دماء الطمث هي العلة المادية، إن عنصر الذكر يعمل في عنصر الأنثى بهذه النمط. ولهذا نجده يقول: أن المساهمة التي تقدمها الأنثى في عملية التوالد هي المادة المستخدمة في هذه العملية، وهي إنما توجد في سائل الطمث.

العقل المؤنث في الفلسفة المسيحية:

بعد تحليل إمام عبد الفتاح إمام لصور ة المرأة في الثقافة اليونانية وفي متونها الفلسفية المختلفة، ينتقل إلى تناولها في الثقافة المسيحية في العصور الوسطى وفلاسفتها، وعلى الرغم من الأفكار الإنسانية والمواقف الجديدة التي جاء بها السيد المسيح بالنسبة للمرأة، ومنها مثلا: أنه لم ينظر إليها على أنها(جسد) وعلى أن صورتها عورة، كما أنه لم يرفض الاختلاط بين الجنسين، وعالج المرأة كما عالج الرجل سواء بسواء. فقد توارت كلها ليحل محلها التراث (اليهودي-الروماني) الذي كان قائما في ذلك العصر. والذي كان يمثل الأرض التي عملت عليها المسيحية عندما ظهرت، ومن المعروف أن التراث الروماني، كان امتداد طبيعيا للتراث اليوناني بما يحمله للمرأة من كراهية ونظرة دونية، فضلا عن أن التراث اليهودي كان يتبنى النظرة نفسها مع أحقاد دينية عليها، محاولا أن يجعلها (إلهية أو مقدسة) حتى استسلمت لها المرأة اليهودية في نهاية المطاف.

وهكذا تتبيّن الخلفية التي عملت عليها المسيحية منذ ظهورها في هذا العالم، لم تختلف قط عن التراث القديم، وهو تراث كان يدعم فيه سلطة الرجل على المرأة ومنفعته في مجتمع أبوي (ذكوري) يعمد إلى السيطرة على المرأة، باعتبارها في رتبة أدنى، أما إذا كانت زوجة، فقد أراد لها أن تبتعد عن كل إثارة، حتى يضمن سلالة من الأبناء من صلبه النقي، ليس فيها دماء غريبة، حتى ترث ما يملك(21).

لقد كانت نظرة اللاهوتيين والفلاسفة المسحيين، مثلها مثل نظرة رجال الدين، ترتكز على معيار الجنس. فالمرأة في مخيالهم، لا تؤتمن ولا إنسانية، ولكنها مجرد وعاء للتناسل كما يقول القديس أوغسطين Saint-Augustin.

وإذا كانت كراهية الجسد مع أفلاطون محصورة ضمن نطاق فلسفي، فقد أصبحت دينية صرفة مع فلاسفة المسيحية، كما لو كان الجسد شيئا منفصلا عن الإنسان وهو موضوع فصلت فيه الفلسفة الوجودية المعاصرة. والأمر الثاني، هو الماضي الملوث بالكثير من الأفعال المخلة بحرمة المرأة من قبل الفلاسفة في شبابهم على غرار ما فعل القديس أوغسطين في سن مراهقته، ثم عادوا في شيخوختهم إلى الندم والتوبة، على نحو ما حدث للفيلسوف اللاهوتي الفرنسي بطرس أبيلارد  Pierre Abélard (1079-1142) الذي كان أعظم أستاذ للاهوت في عصره.

لقد ورثت المسيحية عن اليهودية نظرتها إلى الأنثى وما فيها من استخفاف بعقلها ولعواطفها، واحتقار لجسدها الذي اعتبرته مصدرا للفساد وأصل الشر في الكون، وبداية انحراف السلوك الإنساني منذ بداية الخلق، ثم أضافت إليها من عناصر الفكرين، الإغريقي والروماني.

لعل القصة التي روتها التوراة عن أصل المرأة أكثر شيوعا في  الثقافة المسيحية، فالإصحاح الثاني من سفر التكوين، يروي أن الإنسان خلق من تراب الأرض( وجيل الرب إله آدم من تراب الأرض، ونفخ في أنفه نسمة، فصار آدم نفسا حية) ع7، لكن آدم كان وحيدا لا أنيس ولا جليس له( وقال الرب الإله ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فسأضع له معينا ينظره)ع 18، فأوقع الرب الإله على آدم سباتا فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة واحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت، لذلك يترك الرجل أمه وأباه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا(عدد 21-24).

وعندما سأل آدم عن اسمها قال: حواء، ولماذا سميتها حواء؟، قال: لأنها خلقت من شيء حي، وتستمر قصة التوراة، فتجعل المرأة سببا لما يعانيه الرجل من شرور وآثام، فهي التي استمعت إلى غواية الشيطان في الجنة، وعصت أمر الله، الذي حرم عليهما الأكل من شجرة المعرفة (فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمارها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل)(الإصحاح الثالث ع6).

وهكذا أدخلت المرأة بحماقتها جميع الشرور والمعاصي، وتسببت في طرد الإنسان من جنة عدن، التي كان يعيش فيها ويأكل من ثمارها بلا جهد ولا تعب، والحق أن حماقة المرأة التي كانت سببا في إدخال الشرور والآلام إلى حياة الإنسان، ترويها الكثير من القصص القديمة بصور منوعة(22).

الحق أن موقف السيد المسيح من المرأة كان أنضج كثير من موقف أتباعه من الحواريين والرسل. بل من موقف الكنائس المسيحية كلها ولقرون طويلة.

ففي عصر المسيح، تطالعنا الأناجيل بمجموعة كبيرة من المواقف الجديدة التي لا يشعر القارئ فيها بأية دونية للمرأة. فهناك شخصيات كثيرة رئيسية تعامل معها السيد المسيح وامتدحها، وكشف عن مواقف إنسانية جديدة، فقد كان يعالج الرجال والنساء معا دون تفرقة، ومن المواقف الإنسانية الجديدة التي خالف بها المسيح التراث الثقافي الموروث في عصره، هي أنه يعالج المرأة التي ظلت تنزف إثنى عشر سنة، وكانت في نظر اليهود نجسة لا يجوز أن يلمسها أحد تماما كالمرأة الحائض. لكن المسيح لم يمانع أن تأتي إليه وتسير من ورائه وتمس ثوبه، فلوقت قصير جف ينبوع دمها، وهو أيضا لا يفرق بين المرأة اليهودية والسامرية، بل إنه يتخطى الشواهد المحرمات التقليدية المتوارثة عن الآباء، عندما مكث طويلا إلى جانب السامرية.

ورغم ما قام به السيد المسيح لصالح المرأة، إلا أن الإيديولوجية المسيحية التي سادت بعده، لم تقد بتحرير المرأة، ولم تعمل على إنصافها أو إنقاذها من الوضع المتردي التي كانت تتخبط فيه، ولم تحاول قط أن ترفع عنها العبودية التي فرضها الرجل عليها، ولم تستطيع المرأة أن تساهم في إدارة شؤون العبادة إلا بصفة ثانوية.

وقد أكد القديس بولس Saint-Paul هذا الخضوع الذي استمده من التراث اليهودي من ناحية، ومن ناحية التراث اليوناني والروماني من ناحية أخرى، أكثر من ما استمده من تعاليم السيد المسيح وأفكاره ومواقفه وأقواله، ثم سار اللاهوتيين وأباء الكنيسة على نفس الدرب السائد، وراحوا يلتمسون أسانيد من العهد القديم تارة من مذاهب فلاسفة اليونان تارة أخرى.

وهكذا كانت العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية أقوى من الأفكار الجديدة، وهي عادات وتقاليد ترتد في نهاية تحليلها إلى موقف الرجل من الملكية الخاصة(23).

ملكية يحرص الأب على أن يرثها أبنائه من صلبه، ثم جاء الفيلسوف المسيحي ليقنن هذا الوضع المتدني للمرأة أو يضفي عليه مسحة دينية، والذي فعله القديس بولس عندما قال: (أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب)، سوى أنه عمد الوضع الاجتماعي المتردي للنساء في مجتمعه وجعله فريضة يأمر بها الدين.

العقل المؤنث في العصر الحديث:

وبعد تعمق الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام في تحليل وضعية المرأة في الثقافة الدينية المسيحية الوسيطية، وترصد مواقف رجال الدين والكنائس وفلاسفة العصر من المرأة ككائن وكفاعل اجتماعي، التي كانت في مجملها سلبية تقزّم من وجودها الطبيعي، وبالتالي، مرحلة كانت فيها متدنية اجتماعيا إلى أبعد الحدود، وهذا ما تناوله بالضبط فيلسوفنا في كتابه المتخصص حول هذا الموضوع الذي هو بعنوان( الفيلسوف المسيحي و المرأة) الذي بدأه من السيد المسيح إلى غاية انبعاث عصر النهضة مرورا بالقديس (كلمنت  Clement 150-223) والقديس أوغسطين Saint-Augustin وأنسلم Anselm و توما الإكويني Thomas d'Aquin ، ينتقل إلى دراسة إشكالية المرأة في الفلسفة الحديثة والمعاصر.

هيجل وعودة أنتيخونا  Hegel et le retour de Antijona: تناول الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام مسألة المرأة عند هيجل وهو المتخصص فيه من دون منازع في الفكر العربي والإسلامي. وفي هذا الصدد يشير إلى أن هيجل عالج موضوع المرأة من زاوية ديالكتيكية صرفة، فهناك ثلاثة نساء كان لهن حضورا في حياة هيجل.

المرأة الأولى هي شقيقته تدعى (كرستينا Christina) التي كانت تصغره بثلاثة أعوام ولدت عام 1773 وبقيت بدون زواج، وظلت تعمل مربية أطفال حتى مرضت عصبيا ثم انتحرت غرقا بعد وفاة أخيها بأشهر قليلة وعلة وجه التحديد في 2فبراير 1832.

ومن الواضح أن هيجل كانت تربطه بأخته رابطا روحيا وثيقا، تكشف عنه غيرة الأخت في زوجة هيجل، ويكشف عنها انهيارها عندما سمعت بزواجه، ثم شكوتها المستمرة من زوجة أخيها، لكن الأهم من ذلك نظرة الفيلسوف نفسه إلى هذا الرابط الروحي التي عبر عنها بحسه الفلسفي عندما تفلسف حول علاقة الأخ بالأخت في فلسفة الحق، على أنها علاقة من أسمى العلاقات في العائلة، والمثل الحي هو أنتيخونا بطلة رواية سوفكليس Sophocle الشهيرة*.

هيجل يرى أن الأخ والأخت، وإن كان يجري في عروقهما دم واحد، فإن كل واحد منهما يمثل بالنسبة للأخر فردية حرة، وتجمع بينهما ماهية أخلاقية هي بمثابة علاقة متبادلة بين وعي ذاتي حر ووعي ذاتي آخر، ولما كانت علاقة الأخ بالأخت علاقة روحية لا حسية، أو هي علاقة إنسانية رفيعة ينتفي معها كل الطباع الشهوانية، فليس من الغريب أن تكون هذه العلاقة هي قمة العلاقات العائلية وبالخصوص أنها بعيدة كل البعد عن الطابع الحيواني أو الطبيعي، وهذا هو السبب فيما يقول هيجل من أن موت الأخ يمثل بالنسبة إلى أخته خسارة فادحة لا يمكن أن تعوضه، وهذا ما عبرت عنه أنتيخونا بقولها( إذا مات الزوج فإن رجلا أخر سيحل محله، وإذا مات الابن فإن رجلا أخر يستطيع أن يعطيني ابنا ثانيا، لكني لم أعد أستطيع الآن أن أمل في مولد أخ جديد)(24).

ومن هنا كانت أنتيخونا تشعر أن واجبها نحو أخيها هو واجب أسمى، لا يمكن أن يعدله أي واجب آخر، وهذا هو السبب في أن أنتيخونا كانت باستمرار تجسد أمام هيجل شقيقته كريستيانا.

أما المرأة الثانية، فهي التي أنجب منها ولده غير شرعي، التي كانت تحمل نفس اسم شقيقته (كريستيانا Christiana)، التي كانت تربطه بها علاقة جنسية غير شرعية، تعرف إليها في مدينة(ايينا  Aina) واسمها الكامل( كرستيانا شارلوت يوحنا فينشر Christaana Charlotte John Fincher)، كانت في الثانية والعشرين من عمرها عندما التقى بها لأول مرة في عام 1806، تصغره بثماني سنوات، وكانت زوجة مهجورة عملت عند هيجل مشرفة على منزله، وفي يوم 5فبراير 1807 وضعت غلاما هو لودفيج  Ludwig ، الابن غير شرعي له، والذي ظل مصدر متاعب جمة لهيجل إلى أن ضمه إلى أسرته.

وفي مدينة نورمبرج Nuremberg تعرف على المرأة الثالثة في حياته وهي( ماريا فونت وتشر Maria von mention) وهي فتاة من أعرق أسر هذه المدينة، ويقال أنها كانت فاتنة الجمال، وبعد أن كان يشعر بالمرارة في نهاية عام 1810، وبعد تعرفه عليها شعر بسعادة لا توصف، حتى أنه نظم قصيدة غرامية خطيرة في حقها، بعث بها إليها بتاريخ 13 أفريل 1811. وبعدها بأيام كتب إلى صديقه (نيتامر Nitamr) يقول له: تعرفت على فتاة بالغة اللطف والطيبة، اسمها ماريا فونت وتشر، أرجو أن يكون الأمر سرا، والسبب في أن والد الفتاة كان عضوا في مجلس شيوخ المدينة، واشترط حتى يعقد الزواج أن يكون الزوج صاحب وظيفة سامية هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبما أن هيجل موظف في الدولة يجب أن يحصل على موافقة الملك بالزواج مباشرة.

يعتبر هيجل ظاهرة الزواج، على أنها جوهر أخلاقي يربط فردين برباط لا ينفصم، لا يخلو من عنصر تمثله النزوة الطارئة، وهذا ما حدث معه، إذ يتدخل عنصر النزوة والهوى في صورة كريستيانا عشقيته في الحفل، وهي تحمل ابنه غير شرعي لودفيج وهي تصرخ  وباكية، عارضة على المدعوين حالتها المزرية مع هيجل، وحينها كتب لها هيجل كتابا بخط يده، يتعهد لها فيها بالزواج، وتنتهي المأساة بوعد هيجل بالنفقة على ابنه، ويرسله إلى شقيقة أحد أصدقائه، وهي السيدة( صوفي بون Sophie Bonn) وهي أرملة فقدت زوجها عام 1803، وانتقلت إلى يينا عام 1807 لتشرف على دار الأطفال. وعندما انتقل هيجل ليشغل كرسي الفلسفة في هايدلوج، يكتب إلى فورمان شقيق السيدة صوفي في يوم 28 أغسطس 1816 يقول: لقد قررنا أنا وزوجتي أن ينضم إلينا لودفيج ليعيش معنا من اليوم فصاعدا، وفي الربيع من العام نفسه يلتحق لودفيج بالأسرة، التي أصبحت تتألف من: لودفيج وكارل وإيمانويل، ثم وقعت له مشاكل مع زوجة أبيه وأخويه، ورغم أن لودفيج كان يتوق لدراسة الطب، إلا أن هيجل كان يسر بشدة غير مفهومة على أن يكون تاجرا، فيبعث به إلى تاجر في شتوتغارت ليعلمه الأعمال التجارية، وعندما رفض لودفيج هذا العرض، توقف هيجل على مساعدته المالية، مما جعله يقول في حق أبيه: لن أسميه أبي بعد ذلك، وعليه التحق بالخدمة العسكرية حيث هناك توفي في يوم 28 أوت 1831، وقبل موته كتب إلى أخته قائلا أن  والده لم يكلف خاطره عناء توديعه قبل أن يذهب إلى الخدمة العسكرية، وهو يسأل عن أخبار أمه العزيزة، والظروف التي أحاطت بها قبل وفاتها وعلاقتها بهيجل(25).

وأخيرا، فإن هيجل يلخص رأيه في المرأة في هذه العبارة: لا بد أن تلاحظ بصدد العلاقات الجنسية إلى أن الفتاة عندما تسلم حبها للرجل تفقد شرفها، أما بالنسبة للرجل فإن الأمر مختلف، ذلك لأن له مجالا للنشاط الأخلاقي في خارج الأسرة. فالفتاة مخصصة من حيث ماهيتها لرابط الزواج، ولهذا الهدف وحده، ومن هنا فالمطلوب منها أن يتخذ حبها كل الزواج، وأن تبلغ اللحظات المختلفة في الحب، علاقتها العقلية الحقيقية بعضها مع بعض.

ويقول أيضا: الفرق بين الرجال والنساء، هو كالفرق بين الحيوانات والنباتات. فالرجال يناظرون الحيوانات، والنساء النباتات، لأن تطورهن أكثر هدوءا، والمبدأ الذي يحكمه هو الوحدة الغامضة إلى حد ما للشعور أو الوعي، وعندما تتولى النساء زمام الحكم تصبح الدولة في الحال في خطر، لأن النساء لا ينظمن سلوكهن وفق لمتطلبات كلية، بل بواسطة الميول والآراء التعسفية(26).

نيتشه والمرأة: يقول نيتشه > أذاهب أنت إلى المرأة؟. إذن لا تنسى سوطك<(27)، وقول > كل ما في المرأة لغز، وليس لهذا اللغز سوى مفتاح واحد هو الحمل<، ويقول أيضا>روح المرأة سطحية، فهي صفحة ماء متماوجة تداعبها الرياح، وليس الرجل بالنسبة للمرأة إلا وسيلة إما غايتها فهي الطفل<.

يمكن القول أن هذه الآراء تلخص موقف نيتشه  Nietzsche (1844-1900) من المرأة، فعلاقة نيتشه من المرأة كانت محدودة ومتوترة، فهو يقول: من الغريب أن ينطق زارا بالحق عن النساء وهو لا يعرفهن إلا قليلا، أو إذا ما بدأنا من البداية لوجدنا فريتس – اسم الدلع لفردريش الطفل- يعيش في بيئة نسائية خالصة بعد وفاة أبيه وهو في الخامسة من عمره، وكانت هذه البيئة تتألف من خمس نساء هن: أمه، وأخته، وجدته لأمه وعماتها العانستان، ولهذا قيل عنه أن نشأته كانت في وسط ناعم ورخوة، وطفولته حالمة.

ربما كان هذا هو السبب في عشقه للقوة فيما بعد، وظل يتغنى بها، إذ وصف (إرادة القوة) بأنها سر الوجود، في مقابل كرهه للمسيحية لما فيها من تعاليم الرحمة والشفقة، واعتبرها تناقضا وتمويها وعبودية. ومن هنا قيل بحق(لقد كان نيتشه روح فتاة ترتدي درع جندي مقاتل)، فهذه الروح الحالمة كانت تدعوا إلى فقه القوة.

فمن المعروف أنه منذ شبابه كانت علاقته متوترة مع الديانة المسيحية، فكان يقول لأصدقائه>الواقع أن المسيحية في حقيقتها تتعلق بالتعاليم الأساسية للمسيح، ولا يمكن التعبير عنها إلا بوصفها حقائق أساسية للقلب البشري< حتى بلغ سن العشرين، عاد من الجامعة وعرفت شقيقته إلزابيت  Elizabeth أنه ليس على ما يرام، فسألته فرد عليها أنه سيتوقف عن دراسة اللاهوت.

كان هذا القرار بمثابة أول صدام مع نساء أسرته، وهكذا استمر الشقاق بين الفيلسوف وبين الضعف كما تمثله المرأة والدين معا في نظره، حتى أنه كتب خطابا إلى شقيقته إثر مرض ألم به عام 1879، وكان يشعر أنه مشرف على الهلاك>أعديني إذا مت ألا يقف على جثماني سوى الأصدقاء، وألا يدخل الفضوليون من الناس عليه، وأن لا تدع قسيسا ينطق بالأباطيل والأكاذيب على قبري، في الوقت لا أستطيع فيه الدفاع عن نفسي، أريد أن أهبط إلى قبري وثنيا شريفا<(28).

مشكلة المرأة عند نيتشه ، هو أنه أحبها وتعلق بها أكثر من اللزوم، ومن ثم كرهها واحتقرها أكثر مما يجب، ظنا منه أن هذا الارتباط العميق هو ضرب من العبودية، تأباه روحه الحرة، وهو تعميد باللغة المسيحية لتجارب الفشل التي مر بها. تجربتان فاشلتان مر بهما نيتشه، التجربة الأولى مع (لوسا لومي Lusa Lomé) والثانية مع (كوزومي  Koizumi).

أما الأولى، فهي على درجة عالية من الذكاء والحيوية طموحة في العشرين من عمرها، ابنة جنرال روسي، كانت تدرس في جامعة زيوريخ  Université de Zurich ، وقد انجذب إليها عدد من العظماء، منهم الشاعر الألماني(رايلكة Rilke 1870-1926)كما كانت صديقة حميمة لفرويد Freud (1856-1939)، فقد اعتبرها نيتشه فتاة ممتازة صاحبة مواهب، وقد أحبها كمرأة متميزة> هي أذكى نساء الأرض جميعا، نظراتها ثاقبة كالنسر<على حد تعبيره، وبعد ثلاثة أشهر تقدم إليها نيتشه لخطبتها ، وهي تقول أن طلبه هذا كان مغلفا بالأنفة والكبرياء، فهو كان يقول لها >إنني حتى أحميك من القيل والقال، إنني مضطر لأن أتقدم إليك أطلب يدك<فهو يعبر لها عن حبه و عن عزته في الوقت نفسه.

وبهذا السلوك يروي إمام عبد الفتاح إمام، أن نيتشه دخل في نزاع مع نساء أسرته خاصة أمه، التي عارضت فكرة زواجه بهاز شقيقته أيضا، فقد كتبت شقيقته تقول>إن أمي المسكينة تعتقد أنه لم يعد أمام فريتس سوى ثلاثة احتمالات كلها سيئة. إما أن يتزوج سالومي، أو يقتل نفسه أو يصاب بالجنون<.

ويزداد تمزق نفسية نيتشه بسبب المرأة وتكتمل تعاسته عندما ترفض سالومي نفسها الزواج به، ثم ترحل مع صديقه بول ري ليتزوجها بعد ذلك، على إثرها تفجرت طاقات الكراهية للنساء في نفسيته، فقد كتب لأحد أصدقائه قائلا>أنا لا أحب أمي، كما أنه أصبح من المؤلم لي أن أسمع صوت شقيقتي، إنني أشعر بالغثيان عندما أكون معهما<.

أما التجربة الثانية، فقد كانت مع (كوزيما فاجنر Cosima Wagner) زوجة الموسيقار(ريتشارد فاجنر Richard Wagner) الذي أعجب به نيتشه إعجابا شديدا من فترة من الفترات، ثم انقلب إلى عداء مقيت، وربما كانت كوزيما سبب من الأسباب، كانت امرأة ناضجة وذكية واسعة الإطلاع، تكبره بست سنوات، أعجب بها نيتشه إعجابا صامتا، وأحبها بعمق، ولكنه لم يستطع البوح لها بحبه لها ، فظل يكتمه حتى دخل مرحلة الجنون، واتضح أن حبه لكوزيما لعب دورا مهما في حياته الفلسفية، وليس مستبعدا أن كراهيته لفاجنر بسبب حبه لزوجته.

إن كراهية نيتشه الشديدة للنساء ترجع إلى حبه الشديد لها الذي دوما ينتهي بالفشل الذريع، حب لا يتحقق، فانقلب إلى ضده وأصبح يفضل العزلة ويغوص في أعماق ذاته.

وبهذا التحليل، يمكن أن نقول أن الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام قد وضع يده المصحوبة بالتأمل والتعقل على تجارب مختلفة، تعكس علاقة الرجل بالمرأة في تاريخها، بين الإيجاب والسلب، وهي كلها محاولات فلسفية جادة تحاول أن تقدم لنا المشهد الحقيقي لتطور المرأة بجملة خصائصها وسلوكاتها، محاولات جديدة بالتأمل فيها والتدبر في مساراتها التي كلها هي ذاتها فلسفة، وعليه يمكننا أن نعتبر إمام عبد الفتاح إمام فيلسوف المرأة بدون منازع.

هوامش:

1- توفيق الحكيم، براكسا أو مشكلة، مكتبة الآداب، ط2 1960 مصر، ص15، 16، 17.

2- إمام عبد الفتاح إمام، نساء الفلاسفة، مكتبة مدبولي 1996 القاهرة مصر العربية ص17.

3- المصدر نفسه ص 16.

4- نقلا عن إمام الفتاح إمام، المصدر نفسه ص 20.

5- المصدر نفسه ص27.

6- المصدر نفسه ص 31.

7-إمام عبد الفتاح إمام، أفكار ومواقف، مكتبة مدبولي، 1996 مصر ص693.

8- المصدر نفسه ص695.

9- إمام عبد الفتاح إمام، أفلاطون والمرأة، مكتبة مدبولي 1996 القاهرة ص 24.

10- المصدر نفسه ص28.

11- المصدر نفسه ص39.

12-المصدر نفسه ص40.

13- نقلا عن إمام عبد الفتاح إمام، أفلاطون والمرأة ص63.

14- محمد عثمان الخشت وغيضان السيد علي والآخرون، يحي هويدي فيلسوفا، مركز جامعة القاهرة للغات والترجمة 2012 ص2012 ص291.

15- نقلا عن إمام عبد الفتاح إمام، أفلاطون والمرأة، ص87.

16- المصدر نفسه ص101.

17-المصدر نفسه ص108.

18-إمام عبد الفتاح إمام، أرسطو والمرأة، مكتبة مبدولي، القاهرة 1996 ص31.

19- المصدر نفسه ص47.

20- نقلا عن إمام عبد الفتاح إمام، المصدر نفسه ص49.

21- إمام عبد الفتاح إمام، الفيلسوف المسيحي والمرأة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1 1996 ص 07.

22- إمام عبد الفتاح إمام، أفكار ومواقف، ص696.

23- إمام عبد الفتاح إمام، الفيلسوف المسيحي والمرأة، ص170

*أنتيخونا ابنة الملك أوديب، رمز الوفاء الأسري والأخلاق في معارضة قوانين المدينة السياسية، عندما حرم خالها الملك كريون دفن شقيقها الذي كان يقاتل مع الأعداء، وأمر أن تترك جثته باعتباره خائنا في العراء للسباع والطيور الجارحة، لكنها قامت بدفن الجثة، كانت مثلا للإعلاء من شأن الواجب الأخلاقي، ولعلاقة الأخت بشقيقها، وبهذه الصفة يذكرها هيجل في معظم كتبه ولاسيما فينومينولوجيا الروح.

24- إمام عبد الفتاح إمام، أفكار ومواقف، ص714.

25- المصدر نفسه 715.

26- المصدر نفسه ص716.

27- المصدر نفسه 705.

28- نقلا عن إمام عبد الفتاح إمام، أفكار ومواقف، ص 707.

 

 

*من أرشيف المؤتمر الدولي: 

خطاب النسوية و الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة، جامعة وهران (2014)

الأستاذ/الدكتور مونيس بخضرة، أستاذ فلسفة غربية- جامعة تلمسان الجزائر

 

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة