السينما ككتابة بالصور وأفق جديد للتفكير الفلسفي أو كيف تخدم السينما الفلسفة؟

 

المؤلف : الأستاذ براهيم أحمد

المؤسسة: كلية العلوم الاجتماعية، جامعة مستغانم

للإتصال بالمؤلف:عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 مخبر البحث:حوار الحضارات التنوع الثقافي وفلسفة السلم

 

 

 

 

 

 السينما كمجال جديد للإبداع والتخيل يتهم بها  الأديب والشاعر والناقد ،كما يهتم بها الفيلسوف على أكثر من صعيد، إذ تملك القدرة على حمل الإنسان على التفكير والاندهاش وتهبه، بفضل خلقها وابتكارها، صورا جديدة للحياة، فرصة تجديد فهمه لذاته وللعالم من حوله. أو ليس التفكير، كما يعلمنا جيل دولوز(Gilles Deleuze )، هو "اكتشاف وابتكار إمكانات جديدة للحياة"(1).

إذ يسود الاعتقاد  اليوم لدى الكثيرين بأن السينما فن تسلية وترويح عن النفس، وأنه لا ينبغي أن نأخذها مأخذ الجد، وبالأحرى أن لا نعتبرها مصدرا من المصادر الباعثة على التفكير وممارسة التفلسف. حيث يقوم هذا التصور على تمجيد للنص المكتوب وشبه احتقار للصورة المرئية، فالمكتوب يتسم بطابع نقدي بينما الصورة نرجسية، الأول موقظ في حين أن الثانية سبب من أسباب الغفلة وتراخي الانتباه. والحال أن الصورة السينمائية لا تقل أهمية عن الكتاب، إذ تستطيع هي الأخرى، شحذ الذهن وحثه على التفكير.فالفكر لا ينبجس من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى شيء يحمله على أن يبسط أجنحته"(2) .

   وقد يسمح هذا الربط بطرح جملة من الأسئلة نصوغها على النحو التالي:

هل يجوز لنا الحديث عن الكتابة بشكلها الفلسفي في السينما؟ وهل يرقى المخرج برؤيته وأساليبه إلى مستوى الفيلسوف/المؤلف؟ بل ما نوع العلاقة التي تربط الصورة السينمائية بالواقع؟ هل تكمن وظيفتها في جعله ينعكس على مرآتها أم أنها تعمل على إبداعه وإعادة تشكيله؟ وبعد هذا وذاك كيف يمكن للسينما أن تكون كتابة بالصور وأفق جديد للتفكير الفلسفي ؟.

نريد التنويه هنا بأن اللغة السينمائية لا تتشكل فقط من الصور، بل يدخل في ركابها الفن التشكيلي، الموسيقى، المناظر، والعدسات المختلفة، والحوار والحركة...الخ.

فالمخرج بإبداعه اليوم بات بإمكانه أن يرتقي  إلى مرتبة الفيلسوف حيث يعمل على خلق رؤى وتصورات جديدة يكتبها بواسطة الكاميرا، فالسينما عنده ليست فرجة بل كتابة تنهل من الرواية الجديدة تقنياتها في السرد والتخيل، ومن الفلسفة قدرتها على توليد الأسئلة وخلخلة الأفكار الجاهزة"(3).

 إن المؤلف في فلسفة السينما حي يرزق ويبدع مثله في ذلك مثل باقي المبدعين  في المجالات الأخرى. ولعل أكبر شاهد على ذلك هو تاريخ السينما الذي يحفل بأعمال ذات قيمة فكرية وفنية عالية المستوى غيرت نظرة الإنسان لذاته وبدلت علاقته مع العالم والآخرين"(4).

 ربما تمثل قصة الكهف التي أبدعها "أفلاطون" في فلسفته مقاربة جيدة بين الفلسفة والسينما"(5)، مما جعل البعض يقرر :" أنا أفكر، إذن السينما موجودة ""(6). فإذا كان المخرج يصنع صورا وأصواتا جيدة فإن الفيلسوف يصنع المفاهيم المجردة والمطلقة. ولما ولدت السينما في نهاية القرن التاسع عشر، كانت تعتبر فن الترفية الشعبي، حيث لم نشاهد أي حضور مكثف للفلاسفة. ولأن هذين المجالين المختلفين، فن حركي جديد من جهة، ومعارف نظرية قديمة وعريقة من جهة أخرى، حتما سيلتقيان في آخر المطاف.

 لقد باتت السينما اليوم هي فن هذا القرن -أي قرننا- ، بفضلها نتعلم كيف نرى، نلتقط قوة الصورة لنخلق ونصنع عوالم جديدة، ونكتشف الوجود والإيماءات، والمناظر الطبيعية التي لا يمكن أن تتشابه، نسمع الصمت، أو بالعكس ننبهر بضوضاء المغامرات. السينما أصبحت تصنع حركة غير متناهية للصور. إنها فن فلسفي، فن وجودي بامتياز، وفي الوقت نفسه هي قرية المجتمع الصناعي، فالسينما هي مثلنا: مفارقة(7).

وإذا كان هناك العديد من النصوص والمقالات حول تاريخ السينما سواء اكانت سيرا ذاتية، أو فنية أو نظرية، ففي المقابل هناك نصوص فلسفية قليلة جدا حول السينما تحمل شرعية ذلك ،لأن السينما شكل من أشكال التفكير، كما الفلسفة. بالإضافة على أن المخرج يفكر بنفس الطريقة تقريبا التي يفكر بها الفيلسوف، حتى وإن كان يفكر بوسيلة تخمينية خاصة به لمعرفة الصورة (مثلا كتركيبة خطة الفيلم وتعاقبه في إطار المونتاج).  

  هناك عدة تمثلات للفلسفة في السينما، سواء من خلال الأطروحات أو المواضيع أو المواقف الفلسفية فـ "كفال" (Stanley Cavell)  مثلا يشرح هيدجر (Heidegger) عن طريق بستر كايتون (Buster Keaton) "(8) ، إذ يتعلق الأمر هنا بمسألة السينما في بعدها الجمالي، وفي قدرتها على خلق وتمثل الأفكار والمفاهيم بهذا المنظور الجمالي .

 كما أن هناك علاقة وطيدة بين السينما والمعرفة فالسينما تفكر، وبالتدقيق تفكر السينما بذاتها، كما ان المخرج يستطيع أن يكون في درجة المفكرين الحقيقيين (كأصحاب التيارات الفكرية)، مثل ماهو الحال مع أ.بزان(1918-1958) (Bazin André) "(9).هذه الرؤية من الداخل تتعلق كذلك بالسينما في حقيقتها الفلسفية والتقنية،إنه البحث عن سلسلة من التفكير و الانعكاسات حول الحقيقة السينمائية  .

هناك تفكير آخر حول السينما كتجربة فلسفية، فهل يمكن أن نفكر في السينما؟ هل يمكن أن نفكر حول السينما؟ هل يمكن أن نفكر سينمائيا؟ السينما كوسيط، كشكل فني أو كعملية حول الزمان والمكان لخلق العالم، لصنع حقائق جديدة. انطلاقا من هذه القدرة الإبداعية الفريدة للسينما ،والتي هي في الوقت ذاته صورة وحركة، تكمن قوتها أنها هي نفسها التي تؤدي بالتفكير، وكما يقول "دولوز" السينما ليس لها موضوع إلا "التفكير ووظائفه ""(10). إذن لا يتعلق الأمر بمقارنة مع مختلف النظريات الفلسفية أو إقامة رؤية للعالم، ولكن إعادة النظر في السينما كتجربة فلسفية. ضف إلى ذلك رؤية الفلسفة كتجربة فلسفية يعود بنا كذلك إلى طرح سؤال المكان في السينما، الحقيقة الأخرى للعالم الذي تخلقه، لأنطولوجيتها الخاصة.

فتأثير الفلسفة على السينما يمكن ملاحظته في ثلاث نقاط أساسية وهي:

  • الطريقة التي تمثل بها السينما الفلسفة.
  • محاولات تبني الشاشة للنصوص الفلسفية.
  • وأخيرا قدرة السينما على التفلسف أو (السينيفلسفة)"(11).

وجميع المحاولات النقدية والتاريخية لجمع الفلسفة بالسينما تبقى يُشهد لها انطلاقا من مساهمات برغسون ( Bergson ) أو بنجامين (Walter Benjamin )، إيستين (M. Epstein)، بزان ، كافال (Cavell)، دولوز، شيفر(Jean Louis Schefer)، والتي وقفت حول اقتراحات فلسفة للسينما التي تعتبر هذه الوسيلة (أي السينما) كظاهرة تاريخية مرتبطة بـ الحداثة، ميدان للتعبير الخاص، أو أيضا موضوع للتجريب، أين الفلسفة مثلها مثل السينما ستكونان محل تجريب،فأكبر المذاهب الفلسفية المعاصرة (كالفينومينولوجيا، الفلسفة التحليلية، التفكيكية،...) يجب إعادة النظر فيها مع علاقتهم بالسينما.

  ونحن هنا نعتقد أن في كثير من الأحيان، السينما هي التي استعارت الفلسفة، وأخذت منها الكثير، فمثلا عندما نشاهد فيلم "أفاتار" (Avatar) لمخرجه "جيمس كاميرون" (James Francis Cameron) تجد أن الفيلم يقدم قصة عالمين، عالم مكون من "رجال السماء" (رمز الشر والقوة والمادة والغطرسة والاستعمار)، وعالم آخر افتراضي وخيالي، وخرافي وسحري جميل ومبدع يظم العالم الذي تعيش فيه قبائل "النافي" على كوكبها المسالم والهادئ إلى جانب الحيوانات والأشجار والنباتات والطيور الخرافية، وهو العالم الذي أراد المخرج أن يبين فيه وجود الواقعي، كذلك فكرتي الخير والشر،...والكثير من الأفكار الفلسفية الأخرى.

  يجب أن تكون هناك رؤية للسينما كنقطة بداية وانطلاق للفلسفة، فهذه الأخيرة تستوحي جوهرها من ما هو مكتوب، أي من كل فكر مكتوب، متحدية أحيانا إعادة كتابة رؤية جديدة للعالم، في حين أن السينما يمكن أن تزحزح اليقين وتشكك في المرئي، تكشف عن وجهات نظر جديدة لإحداث ثورة ،فـ"جيل دولوز " حلل الصورة السينمائية في قدرتها على خلق الإدراكات، المشاعر، والمفاهيم والتي لا توجد إلا باجتماعها واختلاطها(12).

  وأما الفيلم شبكة مبنية للعديد من القوانين، منها ما هو خاص بالسينما، أي ما يستعمل في السينما فقط؛ وما يستعمل فيها وفي غيرها، أي ما هو غير خاص بالسينما،فهو ليس مجموعة من الصور المستقلة أو المنفردة، الفيلم هو شكل؛ بل شكل معقد للغاية. وكل صورة يمكن أن تكون معزولة عن الصور الأخرى. وتعاقبها هو ما يمكن أن يخلق واقعا جديدا.الفيلم إذن هو (وحدة متناغمة). وينبغي أن لا نتجاهل:

-إيقاعه وما يميز بالخصوص إيقاع الفيلم، هو تأثير كل رؤية على الكل، وأيضا ترتيب هذه الصور، وكذلك المدة. وعليه إن الترتيب، المدة، والدوام، هي الخصائص التي تميز الفيلم.

-الصوت كذلك شكل كما في الصورة، فـ"ميرلوبونتي" (Merleau Ponty) نجده يركز على إيقاع الصوت وقد نلاحظ أن هذا الريتم (الإيقاع) لا يخضع لمثل قوانين التي تنظم وتيرة الصورة"(13).

"ميرلوبونتي"  يستكشف أولا العلاقة الموجودة بين الصوت والصورة انطلاقا من تحليل الحـوار وعلى حسبه الحوار لا يجب أن يحكى، وإنما يعرض.

   تتمظهر علاقة التشكيلي بالسينمائي من خلال التداخل الحاصل بينهما على المستوى الجمالي والتقني ثم من خلال تبادل الأدوار بينهما عبر التاريخ... فالبعد التشكيلي له حيز مهم داخل اطار الصورة السينمائية ويساهم في التأثير الإستيتيقي بشكل متعدد، والشيء نفسه يمكن الحديث عنه إذا قمنا بقراءة معكوسة، خاصة وأن حضور المكون السينمائي في التشكيل قد بدأ يظهر بشكل متزايد في زمن حضارة الصورة الذي نحياه بكل تطوراتها، اذ يمكن تناول البعد التشكيلي للصورة السينمائية من خلال النظريات والاتجاهات السينمائية عبر انفتاحها على النقد الأدبي والسينمائي والسوسيولوجيا والفلسفة وتاريخ الفن، فهذه العلاقة المعرفية والجمالية لا تتأكد ولا تتجلى إلا من خلال أشكال تعبيرية بصرية أخرى كفن الفيديو والتصوير والتلفزيون والإشهار والفن التشكيلي السيبيرنيطيقي أو "الآرت كوم" ((Art'com"(14).

  لسنا في حاجة للدفاع عن علاقة الفلسفة بالسينما، لأن مبحث الجمال من المباحث الأساسية التي قامت عليها الأنساق الفلسفية الكبرى، إضافة لعلاقة الإبداع بالفلسفة, لاسيما ما هو حي منه. كما أن قيمة صورة ما تتحدد بالأفكار التي تبدعها.

 إن الفن التشكيلي هو الفن الذي يعبر عن الشكل في سكونه أو حركته؛ كما أن السينمائي ­ البلاستيكي "le cinéplastique ": تركيب متحول، متجدد باستمرار، غير متقطع ودائم التشكل، متلاش، منبعث،أو باختصاركما يقول "كفال"في كتير من تعبيراته: دراما تشكيلية متحركة (Drame plastique en action) "(15).

  نشير أيضا إلى أن القراءة الدولوزية لعلاقة السينمائي بالتشكيلي قد تناولت بجدية الأسئلة المتعلقة بالمنظومة البلورية "Cristallin" "(16). إن تأويلات "جيل دولوز" و"إيلي فور"(17) التاريخية والفلسفية والجمالية... قد انصبت على رفع البداهة حول نقط الالتقاء والتقاطعات وأيضا التشكلات التي ساهمت في إعطاء رؤية جديدة بلورتها السينما قصد فهم متجدد للفن التشكيلي رغم اختلاف الحمولات الفلسفية؛ وذلك عبر أسلوب واحد متشابه، وعبر مستقبل فلسفي واحد متشابه أيضا، الشيء الذي يفتح الطريق أمام مباهج تشكيلية غير معروفة(18).

وقد تمظهر ذلك من خلال تنظيم المكان (الديكور) من أجل ملاءمته لتقديم اللقطة، ففي بعض الأحيان يُأتى بمجموعة من الأقوال والاستشهادات داخل الفيلم, لتبرير اختياراته لبعض الأشياء الأيقونية أو الهندسية أو الفوتوغرافية، أو باستعمال حوارات تزكي ميولاته الفنية للتصوير في أماكن طبيعية أو ديكورات هندسية معينة دون غيرها. كما أن التدقيق في الإخراج، التقطيع التقني الجيد، تأطير اللقطات المنظم, الإشتغال على حركات الكاميرا،التحكم الجيد في الحوارات... يَحولون دون وقوع أي خلل وظيفي في حركية الصورة ويجعلها تحمل بصمات نماذج فنية أخرى من خارج السينما نفسها. إن الفيلم يبين بجلاء العلاقة المتداخلة بين ما هو سينمائي محض، وما هو دخيل عليها عبر تعالقها الابستيمولوجي  مع فنون أخرى (التشكيل، الفوتوغرافيا, النحت, الهندسة...). لذلك فإن عمل السينمائي يخضع لعدة متغيرات تلزمه الإشتغال على أصعدة متعددة غالبا ما يسفر التأمل فيها عن كشف تشكلات وتأويلات غير بريئة(19).

   تختلف الدعائم "Les supports" الفنية التشكيلية عن الدعامة السينمائية المتمثلة في الفيلم. فالفنان التشكيلي غالبا ما تكون لمسته الفنية مباشرة وحميمة مع بياض اللوحة كدعامة فنية بغض النظر عن المواد المستعملة في التشكيل؛ أما بالنسبة للسينمائي، فصورته يتدخل فيها التقني (مدير التصوير، الكيميائي داخل المختبر...). لذلك تعتبر اللوحة التشكيلية عمل فردي، أما العمل السينمائي فهو عمل جماعي. انطلاقا من الستينات بدأ العديد من المجربين داخل المختبرات الفيلمية بالبحث في تجديد طرق الاشتغال المتداولة في توضيب الأفلام السينمائية، واهتموا أساسا بالفيلم "La pellicule" كمساحة وواجهة ودعامة... للانخراط في البحث وفقا لما يتيحه على مستوى الطول؛ وكان أيضا الاهتمام بالفوتوغرام "Photogramme" كوحدة قابلة للتقسيم داخل الفيلم إذا ما تم وضعه داخل بنية سينمائية قابلة لتحمل مجموعة من التغييرات الفنية وغيرها. إن هذه الإرهاصات التجريبية على نسيج الفيلم كمادة أولية عذراء، شأنه في ذلك شأن عذرية اللوحة عند الفنان التشكيلي، وهكذا  أصبحنا نتحدث عن السينما البنيوية والسينما الممتدة "L'expanded cinéma، بمعنى أن الفيلم يعتبر أفقا تجريبيا فنيا ممتدا، يتيح آفاق رحبة للتداخل الأيقوني  انطلاقا من بنيته ككل(20).

 وإذا كانت اللوحة هي الإطار الإبداعي للفنان التشكيلي, فإن الشاشة هي الإطار الذي يظهر إبداع الفنان السينمائي. هناك اختلاف بين الإطارين, فالأول إطار جامد ماديا, والثاني إطار يتميز بالحركية. المشترك بينهما كثير ومتعدد... بداية باللون وانتهاء بالضوء, بل الأساسي هو أن الاثنين في عمق البصري "Le visuel". إن السؤال المطروح الآن هو: هل اللوحة بمفهومها الكلاسيكي (إطار, قماش, صباغة...) قد أصبحت الآن صامدة أمام المد الإلكتروني والاختراق التقني للذات الفنانة؟ الجواب بالطبع: لا. لقد انفتح الفنان التشكيلي على عوالم افتراضية أخرى وتعرض بدوره لإغراء الثورة الرقمية والإلكترونية, الشيء الذي جسدته تيارات الآرت كوم والفن السيبيرنيطيقي المستفيد من ثورة النص الافتراضي "Hypertexte"...

أصبح الفنان التشكيلي يتبادل أدوار اللعب مع زميله السينمائي, وبهذا فالسينما بدورها قد استفادت من حقل رسومات الحاسوب "L'infographisme", خاصة في مجالات الرسوم المتحركة والخدع السينمائية...الخ(21).

إن الشاشة كدعامة أو كوسيط مشترك بين السينمائي والتشكيلي, ترمي الجميع نحو آفاق تشكيلية لامتناهية تطرح حزمة من الأسئلة النظرية والجمالية،خاصة في الزمن الرقمي الذي نعيشه. إن ثقافة الشاشة المنتشرة الآن عبر الفضائيات،قد خلقت لدى المتلقي نوعا من التنميط فيما يتعلق بتذوقه الفني والجمالي،بل جعلت أفقه البصري يتقلص فيرتهن إلى ما تقدمه وبالتالي تصبح ثقافته البصرية محدودة. إن الشاشة كدعامة تشكيلية فنية تطرح على الباحثين في المجال الأيقوني أسئلة نظرية صعبة يلزمها الكثير من التأمل والبحث فيما يتعلق بالجوانب الاستيتيقية، فمبحث الجمال نفسه يجب ألا يبق رهين الأسئلة الفلسفية الكلاسيكية. إن هذه الأسئلة تتشكل في اطار تحديد مفهوم الثقافة البصرية باعتبار الشاشة كواجهة للانخراط التشكيلي وانتاج الذاكرة البصرية وتدوينها،أكثر مما هي طارئ تكنولوجي. إن التقاء اللوحة والشاشة في نوع من التواصل الافتراضي يجعل منتوجهما البصري قادرا على خلق أشكال ورموز ذات تأويلات بصرية لامتناهية التعدد. (22).

  إن علاقة التشكيلي بالسينمائي تتولد عبر نسيج من النقط البنيوية التي يتداخل فيها الزماني والمكاني... من أجل تشكيل هندسة عابرة من الحبكات والتقاطعات والعتمات والأنفاق والمتاهات... كل ذلك يتيح للفنان أنفاس جمالية متجددة, وللمتلقي إمكانيات وافرة للتفاعل معها عبر أنظمة تداولية مختلفة... فاللون والضوء والتركيب... رموز وعلامات تختلف حسب السياقات التداولية, ووفق المنظومات الثقافية لكل جماعة.

إذن ابدأ سنتك الفلسفية بالذهاب إلى السينما، وأترك لنفسك الوقت للتفكير حول الفيلم الذي شاهدته، وقارنه ببعض الأفلام الأخرى الذي شاهدتها أو ببعض الكتب الأخرى التي قرأتها، إنك لن تكون فقط مستهلكا، وإنما أيضا هي بذاتها فلسفة.

 

---------------------

المراجع

1- Deleuze Gilles : Logique du sens, minuit 1969,France, P64.

2- Cy Twombly; Écriture poétique et langage plastique; tome 3; Au  même titre édition; (15 septembre 2000) ,France, P115.

3-ibid, P118.

4- ibid, P119.

5-Platon, République, livres III, X, et VI, VII : l'acte de naissance de la philosophie ou la mise à mort de l'image, de l'art.

إذ يقول:

تخيل وجود أناس مسجونون في كهف منذ نعومة أظفارهم فهم قد ولدوا في ذلك الكهف. لكن هؤلاء الأشخاص وجدوا أنفسهم مقيدين بحبال أو سلاسل مع بعضهم البعض لا يقوون على المشي أو الالتفات. فقط وجوههم تنظر باتجاه واحد ألا وهو أمامهم ولا ترى غير جدار الكهف...، وأفترض وجود نار خلفهم لتقوم بتدفئتهم ضد جو الكهف البارد وتنير المكان. عندها يرى هؤلاء الأشخاص السجناء ظلالهم ملقاة على الحائط أمامهم. وهم بالتأكيد يشعرون بحرارة النار دون أن يرونها. وعندما تتأجج النار تتحرك ظلالهم وتكبر.تلك هي الحركة الوحيدة التي يشاهدونها….،ثم افترض أن هؤلاء الناس جاء لهم الفرج وأطلق صراحهم. فيبدؤن الواحد تلو الآخر بالخروج من الكهف عندها سيرون النور الحقيقي خارجا ويبدؤن يفركون أعينهم من شدة الألم الذي يصيب عيونهم بعد البقاء طوال عمرهم في ظلام الكهف أو خفة الضوء هناك. فيصبحوا أمام أمرين. إما الرجوع إلى الكهف الذي خرجوا منه أو قبول النور الحقيقي الموجود بالخارج بعد صراع وآلم مريرين.

6-Ollivier Pourriol, Ciné Philo, Hachette Littératures, avril 2008, Paris, P87.

7- ibid, P91.

8-Stanley Cavell, cinéma et philosophie, sous la déraction de  Sandra Laugier et  Marc Cerisuelo Edition , Edition  Pressesde la Sorbonne Nouvelle,2001 ,France, P257.

Bazin André,  Qu'est-ce que le cinéma? 9-أنظر:

وهي دراسة تتكون من أربعة أجزاء:

T. I, Ontologie et langage

T. II, Le cinéma et les autres arts

T. III, Cinéma et sociologie

T. IV, Une esthétique de la Réalité : le néo-réalisme

10- جيل دولوز، الفلسفة والسينما، جريدة ليبيراسيون الفرنسية, 13 أكتوبر 1983،مأخوذ من كتاب: الفلسفة، إعداد وترجمة: محمد الهلالي، مراجعة: عبد الرحيم الحسني، منشورات مجلة فلسفة، ،الطبعة الأولى،1996، ص56.

11- Olivier Dekens, La philosophie sur grand écran : manuel de cinéphilosophie Syndiquer le contenu. Edition Ellipses,Paris,P32.

12- إذ يعتبر دولوز من أبرز الفلاسفة الذين درسوا الإبداع السينمائي؛ إذ خصص كتابين هامين للتأمل في بعض القضايا السينمائية، وهما: "سينما I: الصورة - الحركة"، "سينما II: الصورة ­ الزمن".

13-Merleau-Ponty, Le cinéma et la nouvelle psychologie, Que veut dire le film ? in Sens et Non-sens,Gallimard, 1996,p 17.

14- Jean Epstein, Le monde fluide de l'écran in Les Temps modernes, n° 56, juin 1950 (idem) ,p43.

15-Stanley Cavell , Le Cinéma nous rend-il meilleurs ? (Bayard, 2003), Un ton pour la philosophie (Bayard, 2003). Collaborant aux revues Positif et Esprit.le scepticisme et le cinéma (Ed. PUF).

16-Gilles DELEUZE, Cinéma II׃ l’Image - Temps , Collection " Critique" , Les éditions de Minuit, Paris, 1985,p358.

17- كما أن كتابات" إيلي فور" "Elie Faure" في بداية الثلاثينات(1937-1873)  قد خُصص بعضها للتأمل في بعض القضايا السينمائية, وقدمت تحديا نظريا أبرز التأثير المتبادل بين السينما والفنون التشكيلية تاريخيا. ففي كتابه:"De la cinéplastique" هناك مقاطع هامة تشير إلى العلاقة المتبادلة بين ما هو تشكيلي وماهو سينمائي.ويعتبر إيلي فورمن النقاد والمؤرخين الفنيين الفرنسيين البارزين الذين تركوا مؤلفات مؤثرة في الحركة الفنية، نذكر منها:

  • Histoire de l'art (1927) 
  • l'esprit des formes (1909)
  • De la cinéplastique (1922)
  • Vocation du cinéma (1937)

18- Christian METZ, La grande syntagmatique du film narratif, in revue "Communication" Nº 8, 1969, P127.

19- Jean Epstein, L'intelligence d'une machine, Paris, Éditions Jacques Melot, 1946, p19

20- محمد اشويكة، السينمائي  التشكيلي و سؤال التأويل،مقال منشور على موقع الانترنت:

http://www.alfawanis.com/chouika/maqual/articles.php

21- Jean Epstein, Le cinéma du diable, Paris, éd. Jacques Melot, 1947, 233 pages, p158.

22-Gilles DELEUZE׃ Cinéma I׃ l’Image - Mouvement ; Collection " Critique "; Les éditions de Minuit; Paris; 1983,  p73.

 

 

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة