العُـــــزلَة بين الإرادة والإدارة

 

 

المؤلف: الأستاذ محمد جديدي 

المؤسسة: جامعة فسنطينة2  

 

 

 

 

 

 

 

 

           فقد كان مرئيا، أكثر مما كان متنبأ به، أن مدينة المرايا، أو مدينة السراب، سوف تجتثها الريح العاتية من الأرض وتمحو آثارها، حتى تنفيها عن ذاكرة الإنسان في تمام اللحظة التي ينتهي فيها أوريليانو بابيلونيا من فك طلاسم الرموز في صحائف الرقاع. كما أدرك أوريليانو أن ما كان مدونا في تلك الرقاع لا يقبل التكرار. فهو أزليّ محتوم منذ بداية الوجود، وهو سرمدي سوف يظل إلى الأبد. فالسلالات التي حكم عليها القدر حكما حتميا، بزمن من العزلة يمتد مئة عام، لن تكون لها فرصة أخرى للعيش على وجه الأرض.

                    غابرييل غارسيا ماركيز، مئة عام من العزلة، ص.531.


 

العزلة ظاهرة إنسانية معقدة، تمس بالأساس جوهر الوجود الإنساني فردا كان أو جماعة. تبدو في ظاهرها مسألة فردية لكنها في الباطن اجتماعية. وقد تعاظم أمرها في الحياة المعاصرة وعززتها المدنية الحديثة وسياسة المدن وهندسات الاجتماع الإنساني جراء طمسها للفضاءات المفتوحة وخنقها للتصورات الطبيعية وتقييّدها للحريات بحجة النظام والموضوعية وتنميطها للحياة العصرية وفرضها لنماذج هندسية، تقنية واتصالية محفّزة على العزلة لأجل تحكم أفضل وأسهل في الفرد وإدارته، على الرغم مما قد يبدو متناقضا مع تطور آليات الاتصال وإمكانات التواصل هذه الإمكانات تظل- على ما يبدو- حبيسة حدود عوالم مفترضة(جامعات ومكتبات افتراضية، واقع ومحيط مفترض في الفنون لا سيما الفن السابع، بيئة مفترضة تطوّرها علوم الهندسة الوراثية والمعلوماتية والسيبرنيتيك) لا ترتبط بالواقع الفعلي ولا تحتك به في كثير من الأحيان إلا من خلال المماثلة أو الإيحاء، بل إن التكنولوجيا المتطورة اليوم دفعت بالإنسان المعاصر إلى عزلة من نوع جديد تقتضي من تعامله اليومي والمستمر مع الآلة الاحتكاك بعوالم غير إنسانية هي أقرب إلى "المنفى".

الفلسفة اليوم، مدعُوة أكثر إلى التفكير بجد في العزلة والبحث في خباياها ومضامينها، لأنها تعتبر موضوع بحث هام من مواضيعها التي أغفلتها وانشغال إنساني من صميم انشغالاتها تماما مثلما أن الفلاسفة – حاليا وبحكم التطورات التقنية الجديدة والظروف الإنسانية الدولية- هم بحاجة – في الوقت الحالي إلى دفع ما ألصق بهم من اتهام الاستغراق في التفكير المُجرّد وانعزالهم عن حوادث الواقع وقضايا المجتمع وعيشهم في أبراج عاجية، غير مبالين بحياة الناس وما يجري في دنياهم. فإذا كان من الصحيح أنّ تعَلُق الفيلسوف بالحكمة الذي يؤدّي به في بعض الحالات إلى الخروج عن أطر المجتمع وازدراء نُظمه والتمرّد عليها، إلا أن هذا كله لا يجعله  «ينفصل عن إطاره التاريخي إلا لكي يتعقّله ويُحسن الحُكم عليه، وهو  لا ينأى بنفسه عن مجتمعه إلا لكي يتمكن من النظر إليه والعمل على تقويمه، وهو لا يحيا بمعزل عن عالمه إلا لكي يحاول تحديد موقفه منه وتعميق صلاته به».(1)

    ومن الحقيقي القول، أن الروح الفلسفية وهي في جوهرها روح  تحادث وحوار مع الآخر بقدر ما هي أيضا روح تفاعل وتبادل مع العالم إنسانيا كان أو ماديا،  ليست من طبيعتها أن تعيق تفتح الذات على المستويين الفردي والجماعي، كما أنها ليست الخلفية الكامنة وراء مأساة عزلة الإنسان. وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ألم تعمل العلوم الحديثة والتكنولوجيات التي طورها الإنسان- وحُق له أن يفتخر بها – على تكريس عزلة الإنسان عن الإنسان وعن الطبيعة والمجتمع على حد سواء ؟

    لقد تولّى الأدب(2) والفن عموما التنبيه إلى مآسي العلم والتكنولوجيا ومنها العزلة التي فُرضت على الإنسان، ولم تفلح الفلسفة في معاينتها لها أو حتى في نفيها عن نفسها. إن النظر فلسفيا في مسألة العزلة يعني التساؤل حول مفهومها ومضمونها والاستفهام بخصوص أنواعها ودلالاتها وتفحص دوافعها وغاياتها. وبشكل عام، فما يثار من تساؤلات فلسفية حول العزلة يعتبر رهانا للذات الإنسانية على التحقق من طبيعتها العميقة ولا مجال لولوج تلك الطبيعة     إلا بالعودة إلى معنى العزلة أولا.

 

دلالة العزلة :

    العزلة لُغة من فعل عزل. وعَزل الشيء يَعزلُه عزلاً وعزّله فاعتزَل وانعزَل وتعزّل: نحاه جانبا فتنحّى. فما يُفهم غالبًا من فعل عزَلَ هو التنحي والفصل والانقطاع ووضع حد لعلاقة معينة. ومنه اعتزل الشيء وتعزّله أي تنحى عنه. وفي هذا قول الشاعر (الأخوص):

    يـا بيت عـاتكة الذي أتعـزّل،

   حـذَر العِدَى، وبه الفـؤاد مُوكّلُ.

ويقال كذلك تعازل القوم بمعنى انعزل بعضهم عن بعض، فالمعتزل والمنعزل هو الذي يكون مفارق ومنفصل عن، أي بمعزل عن كذا. والقول اعتزلت القوم أي فارقتهم وتنحيت عنهم  أو تخليت عنهم لذلك فكلمة المعتزلة جاءت من هذا المنظور لأنها تعني الافتراق والتخلي عن جماعة ما، فقد مرّ قتادة بعمرو بن عبيد بن باب فقال: ما هذه المعتزلة ؟ فسمُوا المعتزلة؛ وفي عمرو بن عبيد هذا يقول القائل:

    برئـت من الخـوارج لست منهم

    من العُـزّال منهم وابن بـاب.(3)

    ومن المعروف تاريخيا أن المعتزلة- وهي الفرقة الكلامية المتميزة بآرائها المؤسسة على النظر العقلاني في مجال علم الكلام- تأسست عندما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري في القرن الثاني الهجري. من مشتقات فعل عزَل نجد العَزل بمعنى الانصراف وصرف المني (ماء الجماع) عن المرأة حذرا من الحمل. وأيضا العازل أي الواقي أو الستار الذي يحجب الآخرين عن الاطلاع أو النفاذ. مثلما نجد كلمة معزال ولها معنيين أحدهما سلبي وهو الراعي المنفرد الذي ينزل ناحية من السفر ينزل وحده وهو ذم عند العرب. ومعنى إيجابي حينما يراد بالمعزال فعل الشجاعة وأصحاب البأس والنجدة من الرجال. وأيضا من مشتقات لفظ عزل: الأعزل والعُزّل، أي الذي لا يحمل سلاحا بمعنى أنه يعتزل الحرب.(4)

            

    إن ما يمكن أن نستخلصه من معاني العزل في كل ما قيل أن العزلة تعني الانعزال نفسه وهي تفيد فعل التنحي والفصل والانفصال وهي بناء على ما جاء في تعريف الجرجاني تعني « الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع.»(5) معنى هذا أن مدلولها اللغوي ينصرف إلى تصوير نوعية العلاقة الاجتماعية التي تكون بين فرد وجماعة أو بين جماعة وأخرى. إن الأهم في كل هذا ليس ما يفهم من كون العزلة نوع لعلاقة معينة في الاتصال بين البشر بقدر ما تعني طريقة أو آلية فكأن العزلة بهذا المنطق تبرز وكأنها وسيلة لغاية معينة يتوخاها من يتبعها من الأفراد أو الجماعات. فقد تكون من هذه الزاوية وسيلة أخلاقية، تربوية ومعرفية عند الصوفي بعدم مخالطة الناس لغاية الاتصال بالله. كما يمكن أن تكون العزلة إجراء أو وسيلة علاجية يلجأ إليها الفرد أو المجتمع بهدف تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي. وفي هذا السياق نجد للعزلة مدلولين أحدهما نفسي والآخر اجتماعي. 

        ففي الجانب السيكولوجي والتحليل النفسي خصوصا، يقصد باصطلاح العزل حيلة دفاعية لا شعورية سائدة في عُصاب القهر. ففي هذا المرض النفسي لا ينسى المريض وهو يستخدم هذه الحيلة -الصدمة التي أدت به إلى المرض فحسب، بل يفقد كل أثر لارتباطاتها ولدلالاتها الانفعالية. ومن صور هذا المرض المنتشر في حضارتنا ما يحصل من فصل وعزل بين الجوانب الشهوانية والعاطفية في الجنس، من حيث أن كبت عقدة أوديب يؤدي إلى إخفاق في الحصول على إشباع جنسي كامل عند الرجال والنساء. لأنهم لا يستطيعون التمتع بالجوانب الحسية (المادية) من الجنس إلا مع أفراد لا يحملون لهم أدنى مشاعر عاطفية، بل يشعرون نحوهم بالازدراء، فهم لا يشتهون حيث يحبون ويحبون حيث لا يشتهون.(6) أي أن الفصل يكون بين جانبين، وهو عزل للعاطفة عن الشهوة في إطار عملية واحدة بما يفيد أن الشعور بالعزلة يتنافى مع المشاركة التي تستوجبها العملية الجنسية.

   أما في الجانب السوسيولوجي، فالعزل الاجتماعي يشير إلى تعبير يستخدم في الدلالة على نشاط يؤدي إلى فصل أجزاء المجتمع أو عناصره بعضها عن بعض، فهو عمل إيجابي يؤدي إلى الانعزال. هذا العزل قد يكون ظاهرة طبيعية أو إرادية. ظاهرة طبيعية: عند فقدان الصلة الفيزيقية أو الاجتماعية بجماعات أو أفراد آخرين مثلما هو موجود عند الجاليات المهاجرة أو في الطوائف الدينية أو عند أفراد الطبقة الواحدة. ويكون ظاهرة إرادية: عندما تُفرض على أقلية وقد تكون سكنية (مثل: الغيتو اليهودي، حي الهارلام الزنجي) كما يمكن أن تمتد إلى نواحي حياتية أخرى كالنوادي والمهن والفنادق(7)( مثلا: أمريكا، إسرائيل، جنوب إفريقيا فيما سبق) وهذا النوع من العزلة الاجتماعية قد يُقنّن له بالتشريع أو العرف وقد يكون ظاهرة مقنعة. كذلك فإن هذا النوع من العزلة الإرادية والإدارية في نفس الوقت يُطبق في حالات اجتماعية عديدة كآلية وقائية وطريقة من الطرق التي تستخدمها الإدارة في الدولة الحديثة خاصة لتحاشي الأخطار والنقائص والنتائج السلبية مثلما يكون ذلك في حالات الأوبئة والأمراض المعدية التي تستوجب عزل المرضى تفاديا للعدوى أو مخافة الفوضى واللاستقرار فتعمد الدولة إلى الاعتقال والسجن. وهكذا فكل من المريض والمجنون والسجين يُعزل عن الأفراد الآخرين بحجة الحفاظ على النظام وعلى الصحة العموميين.

  

    قد تبدو العزلة سلبية من ناحية كونها مرضا نفسيا أو اجتماعيا، فهي باعتبارها انطواءً وانزواءً إراديًا أو إداريًا، اختياريًا أو إجباريًا تشير إلى سلوك غير سوّي، يتناقض مع طبيعة الإنسان يفضي إلى تفكك قيم التضامن والتكافل الاجتماعي، ويعزّز من تفتيت الوحدة الاجتماعية. لكن من ناحية أخرى فلِلعزلة إيجابياتها ليس فقط على من تُفرض عليه أو من يختارها، بل على المجتمع ككل الذي يحمي نفسه. هذا عندما تكون إجبارية أما حينما تكون اختيارية، فتتجلى مزاياها في تحقيقها لكمال الفرد وتنمية شخصيته وحريته، وتُمكّنه من الإبداع وتفتّح عبقريته، التي تحتاج إلى انعزال وابتعاد عن المجتمع مثلما تشهد بذلك حالات حاصلة في تاريخ الفكر البشري. فكمال الفرد ونموّه لا يتحقق إلا من خلال شعوره المتميّز بذاتيته التي تعمل قيود المجتمع وضوابطه على محوها وإخفائها مخافة التشرذّم والتشظّي، وحفاظا على التلاحم والتماسك بين أفراده المنسجمين وليس المتمايزين، و تحت شعارات وأعذار كثيرة تسعى الجماعة من خلالها إلى احتواء الفرد وإخضاعه لما تسنُه من قوانين. فالمجتمع بصيغة أخرى بحسب قول إمرسون Emerson « في كل مكان يتآمر على أعضائه»(8) ولعل هذا ما حدا ببعض المفكرين من نقد التصورات الاجتماعية التي طرحت في مجالات التربية، وشدّدوا على تربية حرة ينشأ فيها الفرد منعزلا، ويكون فيها أقرب إلى تحقيق ذاته بذاته، التي تتطلع إلى التحرر من ضغوطات المجتمع وتصغي إلى طبيعتها ذات الميول الخيّرة. وخير من مثّل هذا التصور التربوي جان جاك روسو في كتابه "إميل "وقبله كان ابن طفيل قد صوّر في قصته "حي بن يقظان" نموذجا رائعا للعُزلة التي كان عليها حي– وحيدا في جزيرته بعيدا عن كل اتصال بغيره من الناس-. فقد مكنته عزلته من بلوغ مراتب عليا في المعرفة والاتصال بواجب الوجود لم يظفر بها غيره ممن عكر عليهم ضجيج المجتمع وصخبه صفاء السريرة وفساد العزيمة.

    من هنا يصبح البحث عن العزلة فضيلة سواء أكان طلبها وسيلة أم غاية، ويكون البحث عنها بمثابة طلب السعادة أو لنقل طلب السعادة في العزلة بحسب ما ذكر مورغين سبورتيسMorgan Sportès في روايته "العزلات" Solitudes وهو يفسّر وضعه المُحرج وغير السوّي على أنه من نتاج فعل الصدفة الذي جاء به إلى مكان معزول بشبه مدينة جزائرية " قصر سعيدة " عندما وصفها بأنها تقاطع لكل العزلات، وهي فضاء مختلف تماما عن ذلك الفضاء المديني الفرنسي الذي اعتاد عليه، لتوّلي منصب أستاذ في الثانوية، وهو الأمر الذي  تركه يشعر بالاغتراب والاضطراب وبالعزلة التي كان يبحث عنها، فلم يكن غرضه البحث عن الذكريات - وإن وجدها- لكن ما كان يهمه أكثر هو العزلة والفراغ.(9)

 

العزلة بين الإنية والتواصل:

    تثير العزلة مسألة هامة من مسائل الفلسفة، ذات صلة بمعضلات عديدة. أولها مسألة الاتصال والتواصل بين الذوات بين الأنا والأنت (الآخر) والشيء عموما، بمعنى أنها مسألة متعلقة بالهويّة أو الأنية والغيرية والشيئية. هذا على المستوى الأنطولوجي والميتافيزيقي الذي يطرح إمكانية أو استحالة التحادث والتواصل بين الأنا وغيرها من أنات المحيط الإنساني والوجودي عموما. من هنا يصح التساؤل، عن مدى التوافق ودرجة التقارب أو التباعد في حوار وجدل العلاقة بين الأنا والآخر، بين ديالكتيك المواجهة أو المحادثة، بين نموذج للاتصال يفضي إلى الاندماج والوحدة أو إلى نموذج للانفصال ينتهي إلى العزلة المطلقة والموت.

يحدّد لنا نيكولا برديائيف أهمية موضوع العزلة فلسفيا بقوله«... قد يبدو أن مشكلة العزلة متأصلة في أهم مشكلة من مشكلات الفلسفة وهي مشكلة الأنا وما يتصل بها من مشكلات الشخصية والمجتمع والاتصال الروحي والمعرفة، وفي النهاية تتصل مشكلة العزلة بمشكلة الموت.»(10) إن أقل ما يمكن قوله، في هذه الصلة المطروحة بين العزلة والأنا كمشكلة فلسفية أنها تنبع من صميم البحث الفلسفي الناظر والمتبصر في مصير الأنا وهي كذلك على تقاطع مع مسائل لا تقل أهمية عما سلف طرحه من إشكاليات، إنها تتجلى بالخصوص من خلال ما يفرزه المحيط الاجتماعي والمادي من تناقضات الاتصال المادي والروحي، والحرية الشخصية والاتصال الاجتماعي واختيار وفحص الأدوات الابستيمولوجية الكفيلة بمعرفة الوجود والتغلب على العزلة.

    من هذا المنظور– يضيف برديائف- «وما زالت مسألة العزلة وهل هي نهائية أو أبدية موضوع الإشكال، فها هي لحظة من حياة الإنسان والعالم والله ؟ إن هدف الإنسان في الحياة يجب أن يضع مثل هذه العلاقات والاتصالات مع الآخرين ومع الكون ومع الله بطريقة تساعده على العلو على العزلة المطلقة للموت، أو بتعبير أدق ينبغي ألا نفكر في الموت باعتباره فناء الأنا فناء تاما.» (11)    

    من المشروع جدا إذن، التساؤل عن كينونة الفرد البشري في ظل تزاحم العلاقات والظروف وتشابك الظواهر وتعقدها وعن تموقع إنسانيته بين جدلية النزوع إلى الاجتماع والميل نحو العزلة ؟ لذا يصح أن نتساءل عن فردية الكائن البشري والتي هي في الأصل ذرة من ذرات كثيرة داخل المجتمع، هذه الحقيقة التي غالبا ما تطمسها النزعات الاجتماعية، هل العزلة إذن حقيقة واقعية أم هيئة نفسية ؟ هل العزلة إرادة واختيار أم ضرورة وإجبار؟ هل هي فعل باطني ذاتي أم حتمية مفروضة ؟ ألا توجد في العزلة فضائل أم أنها شر وتهميش ؟ ألا تتخذ العزلة طابعا اجتماعيا أم أنها خاصة بالفرد فحسب ؟ إذا كان الأمر كذلك فما موضع عزلة الدولة وفق منظور العلاقات الدولية وضمن الحديث عن مجتمع دولي ؟ (حالة العراق قبل الحرب وأثناء الحصار، حالة الجزائر أثناء سنوات ما سُمّي بالعشرية السوداء، فالحالتين تشيران إلى عزلة الدولة عن المحيط الدولي.  ألا تعني العزلة المنفى والغربة ؟ ألا تعني سياسيا واقتصاديا الإقصاء والتهميش ؟ ووفق نظرية المركز والأطراف التي تجعل من احتجاج وتمرد الأطراف ضد شمولية سلطة المركز بسبب العزلة أمرا منتظرا.  أليس من معانيها كذلك الاغتراب والاستلاب ؟ أي اغتراب العامل الأجير عن الإنتاج الذي ينتجه ولا يملكه بمفهوم ماركس واغتراب فئة أو فئات اجتماعية في حرمانها من ثروة وطنية تحتكرها أقلية. ماذا عن إقصاء أفراد معيّنين وعزلهم اجتماعيا كالمجنون، الشاذ والمجرم ؟ هل تعني العزلة هنا الحرمان أو العقاب أم المنع والاحتياط من حدوث شرور بالمجتمع ؟ وبالتالي فالعزلة في هذا المقام تفيد حماية المجتمع.

 

العزلة كشعور:

    يقول أوكتافيو بازOctavio Paz :«العزلة هي الجوهر النهائي للوضع الإنساني. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يشعر بالوحدة و يبحث عن الآخر.»(12) يبدو من هذا القول، أنه من الملائم النظر إلى العزلة بوصفها شعور وإحساس ينتاب الفرد أو الجماعة، حتى وإن لم يكن هذا الشعور صحيحا   أو مُعبرًا بصدق عن تطابق مع حالات عينية محددة، بحيث يكون شعورا زائفا من الفرد أو من فئة اجتماعية أو من طبقة سياسية. ووفق هذا الطرح تصبح العزلة مرتبطة أكثر بمواضيع الاغتراب والاندماج والتوافق الاجتماعي، والتي تساهم اليوم وسائل الاتصال الحديثة بإعادة صياغته من جديد تبعا للعوالم الجديدة والحدود التي تضع فيها الإرادة الجمعية الأفراد من منظور المجتمع الاستهلاكي الحديث. وقد حدد برديائيف أربعة أنواع لهذا الشعور بالعزلة ضمن طرحه للعلاقة بين الأنا المتوحدة والبيئة الاجتماعية، أو بين الذات ومحيطها المادي والاجتماعي على السواء. وقد صاغها وفق ما يأتي:(13)

    أولا: هو نوع شائع ومنتشر عند فئة من الناس لا تشعر بالانفصام أو العزلة. فالأنا تتكيّف في هذه الحالة مع البيئة الاجتماعية تكيفا تاما. وفي الغالب، فإن هذا النوع يكون عند من يمتلكون غرائز قويّة في التقليد. وبالتالي فهم يفتقرون إلى أصالة الفكر ويكتفون بالعيش على تراث مشترك وعلى تقليد قد يكون محافظا أو حرا أو ثوريا. فما يميّزهم هو التقليد، وبالتالي فلا وجود لشعور بالعزلة نتيجة المكانة الاجتماعية أو أن العزلة كشعور وإحساس تنعدم.

    ثانيا: هو نوع ليست لديه تجربة العزلة لكنه مع ذلك لا يأبه بحياة المجتمع. فالأنا عنده وإن انسجمت مع حياة الجماعة، إلا أنها لا تكترث لمصيرها ولا لمستقبل المجتمع. هذا النوع - بحسب برديائيف – يستبعد فكرة الصراع ويعرف انتشارا كبيرا في فترات الاستقرار الاجتماعي، بيد أنه في عصور التمرد والانفصام (الثورة) يجد نفسه في وضع عسير وارتباك مما يعني أن الشعور بالعزلة لديه يكون بحسب نسبة الاستقرار التي يكون عليها المجتمع.

    ثالثا: هو نوع يشعر بالعزلة ويعي هذا الشعور، غير أن اهتماماته الاجتماعية ضئيلة مثلما أن تكيف هذا النوع مع المجتمع ضئيل. وهذا النوع يعاني من شعور بالانقسام وفقدان الانسجام الداخلي وعلى الرغم من ذلك يظل هذا النوع اجتماعيا ولا يميل إلى الثورة وإنما يبقى بعيدا وبمنأى عن كل شيء، بحيث ينحصر اهتمامه على فصل حياته الروحية وغرائزه الإبداعية عن الجو الاجتماعي، مثلما هو كذلك في حالات الشاعر الغنائي، المُفكر المُتوحّد. وهذا النوع لديه استعداد للتصالح مع المجتمع وأن يكون محافظا أو ثوريا بحسب ما يقتضي الأمر. إذن، فهذا النوع لا يمنعه شعوره الواعي بالعزلة من الاندماج الاجتماعي نسبيا ومن محاولة الحفاظ على تميّز تتيحه له العزلة.       

    رابعا: هذا النوع لديه شعور مزدوج في الاتجاهين: في اتجاه العزلة من ناحية، وباتجاه المجتمع من ناحية أخرى. قد يبدو هذا الأمر متناقض وغريب، لأن العزلة عادة تتنافر مع الروح الاجتماعية. لكن هذا النوع موجود، وهو لا يقتصر على مجال الفلسفة، أي لدى الفلاسفة والمصلحين والمبدعين وأصحاب الثورات الروحية، بل هو بارز عند الأنبياء الذين قلّما يكونون في انسجام مع الحياة العامة ويكونون عرضة للاضطهاد، وهم مع هذا يمتازون باهتمامهم بمصير قومهم، بالمجتمع وبالتاريخ وبكمال الإنسان والكون ككل. وتوجد نماذج لهذا النوع خارج الإطار الديني في الميادين الفلسفية، العلمية، الفنية والسياسية بحيث تحاكي هذه النماذج  أو تصطبغ بطابع النبوة.  

    مختصر مفيد، فإن هذه الأنواع من الشعور بالعزلة في حضور الشعور أو غيابه جزئيا أو كليا، في الوعي أو اللاوعي به، ينبغي النظر إليها بتحفظ والحذر من المبالغة في التسليم بنتائجها. فحتى برديائيف ذاته يُنبّه إلى ذلك، من حيث أن نتائجها قد تدرك بطريقة ديناميكية وليست ثابتة، نسبية لا مطلقة. وهكذا، فالنوعين الأوليّن يكونان في انسجام مع البيئة، بينما النوعين الآخرين يكونان مختلفين، مع فارق بينهما في درجة الثورية والوعي بالانسجام والالتزام الاجتماعي. جميع هذه الأنواع من الشعور بالعزلة، تعتبر من الإشكاليات الكثيرة التي تمس بالأساس وضع الفرد البشري أنطولوجيا وأكسيولوجيا وحول هذا الوضع الإشكالي تختلف وجهات النظر. بيد، أن الإشكالية الرئيسية في هذا الخصوص تتمحور حول ما يتصل بديالكتيك التواصل الإنساني. فالفلاسفة والمفكرون ما فتئوا يذكروننا منذ القديم بفكرة، اعتبروها حقيقة مطلقة، مفادها أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه أو كما قال أرسطو "الإنسان مدني بالطبع". وقد أخذت هذه المقولة مأخذ الجد والبداهة، إلى حد جعل علماء اللغة يستنبطون معنى الإنسان من اسمه الدال لغويا على الأنس والاستئناس بغيره من الناس، بل أكثر من هذا ووفق هذا التصور، فالفرد لا يستطيع العيش بمفرده وخارج إطار الجماعة.

    باختصار، الإنسان لا يكون إنسانًا إلا بتواصله مع غيره من بني جلدته. هذا من جهة، لكن من جهة أخرى، فالوقائع وحالات الواقع والتاريخ تبرهن على خلاف ما قيل حول اجتماعية الكائن الإنساني وإن مثلت القاعدة والحالات والوقائع الاستثناء. من زاوية فردية تصبح العزلة ملجأ للفرد لتحقيق ذاته والبروز بأصالة متميّزة تنّم عن شخصية المرء بعيدا عن محاكاة نماذج اجتماعية جاهزة أو ترديد وتكرار لما هو متداول، بل إن بعض الشخصيات عبر التاريخ تحرص على العزلة لما تُوفره من المناخ الخصب والملائم لتحقيق الذات لذاتها. فالآخر يُمثّل عقبة في وجه الإبداع(14) يقول أحد الكُُتّاب في روايته العزلات Solitudes.

    إن العزلة هنا، تغدو إما وسيلة لغاية، فالذي يرى أن ضوضاء المجتمع لا تتيح له فرص الارتقاء والإبداع يلجأ إلى العزلة وينأى بذاته عن مسايرة العامة وفي أمثلة ابن خلدون بخلوته وانعزاله في مغارة قرب مدينة تيهرت(15) لكتابة جزء من مقدمته الشهيرة وكذلك ديكارت الذي انعزل في كوخ على نهر الدانوب حينما كان منكبا على تأليف بعضا من كتبه وحل بعض المسائل الرياضية. إننا نجد في هذه الأمثلة، وأخرى كثيرة غيرها يعج بها تاريخ الإنسانية، أدلة قوية على واحدة من أعظم فضائل وفوائد العزلة. كما أن العزلة يمكن أن تصير غاية في ذاتها إذا ارتبطت بسعادة الإنسان واقترنت بها مما يوحي بأن العزلة دلالة على التفرّد والتميّز الذي يفيد القوة والنبوغ والذكاء (من هنا كان الانعزال بمعنى التفرد والتوحد صفة للخالق لا يشترك فيها معه غيره من الكائنات). في حين أن الاجتماع دليل على التقليد والمحاكاة وأن المجتمع قد يُجبر أعضاءه على تبعية فكرية بمثل ما يدفعهم إلى عزلة فكرية إذا لم تكن تنشئة هؤلاء الأفراد على أساس اكتراثهم بمشاكل المجتمع الحضارية(16). الأمر الذي يحفز الأفراد على الانعزال إذا كانت القيم التي يحملها المجتمع لا تساير رغبات الفرد وحاجاته أو ربما تكون حسب بناءات اجتماعية قمعية لمظاهر الأنانة والفردية وطمس لمعالم التفرد والتميز.

 

نتائج العزلة:

    للكائن البشري كيان مزدوج، فهو من ناحية ذو كيان شخصي، فردي، ذاتي، عام، متميز بشخصيته المعنوية والمادية المستقلة، متميز بكرامته، حريته، رغباته، حاجاته المتنوعة والمختلفة عن غيره من الأفراد. وبمعنى آخر فهو ذو كيان فردي تكون العزلة فيه - والتي هي شرط الحياة نفسها - بمثابة امتحان وتطهير يبعث على اختفاء القلق واللاأمن. فالكمال والوحدة وهما السكينة والسعادة والانسجام مع العالم هي الأشياء التي تنتظرنا في متاهة العزلة.(17)

    من ناحية أخرى، فهو صاحب كيان اجتماعي من حيث أن طبيعته ذاتها تفرض عليه توجها اجتماعيا يجعله مندمجا مع مجتمعه أو ساعيا للتوافق معه، وتحدد أسس هذا الاندماج وهذا التوافق اللغة، الدين أو الأيديولوجيا، أو أي أساس له صبغة تاريخية (الماضي والمستقبل) (الأمة مثلا) أو طائفية عرقية (العشيرة أو القبيلة) أو عقدية (الدين) أو لغوية (اللسان) كما قد تكون على أسس أخرى مثلما هو حاصل في المجتمعات الحديثة الصناعية وما بعد الصناعية (الاستهلاكية) كالجمعيات ذات الطابع المهني، النقابات، أو ذات الطابع السياسي الأحزاب أو ذات طابع ثقافي أو رياضي الجمعيات والنوادي أو حتى على أسس من الهوايات. ومن هذا المنظور، تصبح في الخيال الشعبي العزلة معاناة وعقاب، فهي مكابدة وألم، أي أنها إدانة وذم وانقضاء. إنها بمثابة عقوبة ولكنها أيضا وعد بأن المنفى سينتهي.(18)

    إن كل نمط أو بناء اجتماعي يحدد للفرد داخله حدودا أبرزها السياسية، الأخلاقية والتربوية التي يتوجب على الفرد الالتزام بها، وإظهار الولاء لها والتمسك بها حتى يكون عضوا صالحا. من يتوافق معها ينال من مجتمعه الاحترام والمكافأة أما من يخالف نظامه وتشريعاته فمصيره النفي والإقصاء وربما العقاب والموت. فمنذ القديم والاجتماع البشري يُسطّر هذه القواعد ويدعو الفرد إلى احترامها وما نموذج سقراط إلا دليلا على ذلك، فحكام أثينا حاكموا سقراط – حقا    أو باطلا - لعدم امتثاله لقوانين مدينتهم واتهموه بإفساد الشباب وعدم احترام آلهتهم. ومثل هذه الحالات في تاريخ الفكر الإنساني كثيرة وهي تطرح اليوم ضمن جدلية المثقف والسلطة التي تناقش علاقات القوى ولعب الاستراتيجيات ومركزية السلطة ونبذ القمع والاضطهاد والدفاع عن حقوق الإنسان وقد تكون في كثير من الأحيان من العوامل المُحفّزة على العزلة التي تعتبر شكلا من أشكال المقاومة للعنف والاستبداد.

    من هذا المنظور، يكون دور الفلسفة غير منحصر في« دراسة عقلانية السلطة وإنما المهم هو تحليل علاقات السلطة من خلال تجابه الاستراتيجيات وأشكال المقاومة. لذلك فالفلسفة تكون نضال ضد كل ما لا يقبل. فهي نضال يؤكد الحق في الاختلافات لكل فرد في أي مجتمع كان، ولكنه من ناحية أخرى لا يعتبر هذا الحق هو انعزال عن الآخر، بل هو حق مع الغير من أجل تعايش حر (ما سميته بفلسفة التآنس).»(19) لكن في المقابل فإن الانعزال هو الحياة التي يريد الإنسان أن يحياها وسط الطبيعة بنفسه من خلال شعوره وإحساسه بذاته لذلك يرى أوكتافيو بازOctavio Paz «أن الإنسان وهو يشعر بذاته من ذاته، فإنه يشعر بغياب الآخر، كأنه عزلة».(20) وهنا تنفتح العزلة البشرية على حق وواقع التفرد والتميز الذي كلما كان الشعور به أقوى كلما كان الاحتكاك والاجتماع الإنساني أمتن وأصدق.

    إذن لامناص اليوم للفلسفة من التفكير وإعادة بعمق في قضية العزلة وخاصة وأن العولمة فرضت أواصر اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وسياسية جديدة تشكل في مجموعها بناء إنسانيا هو بالنسبة إلى البعض النموذج الذي طمح إليه الإنسان منذ القديم والذي ينبغي أن نتفاعل معه وننزع كل رداء للعزلة في حين نجد البعض الآخر يمانع ويقاوم هذا التوجه العولمي ويجد فيه الحيف والعنف ما يجعله يتجذر في عزلته الهووية ويرى أنها الضمان لحريته واختلافه.

 

محمد جديدي، مجلة التدوين (02 ديسمبر 2010) رابط المقال https://www.asjp.cerist.dz/en/article/90355

 

 

----------------------------

الهوامش:

(1) د. زكريا إبراهيم، مشكلة الفلسفة (سلسلة مشكلات فلسفية)، مكتبة مصر، طبعة ثالثة،1967م.، ص. 82.
(2)  إن مجرد تصفح بسيط للروايات والقصص سيجعلنا نقف على عشرات العناوين التي تحمل كلمة عزلة. وهو الشيء الذي يدفعنا إلى القول، أن الأدب عامة والرواية بشكل خاص، كان أصدق في معالجة معاناة الإنسان فصوّرها أحسن تصوير بأفضل مما فعلت أشكال التعبير الإنساني الأخرى. وفي هذا الخصوص كانت رواية مئة عام من العزلة(1967م.) لـ غابرييل غارسيا ماركيز(حاصل على جائزة نوبل للأدب عام 1982م.) من أهم ما كتب حول العزلة، علاوة على هذه القصة تشير أغلب رواياته إلى موضوع العزلة. 
(3)  ابن منظور، لسان لعرب(المجلد الحادي عشر)، دار صادر للطباعة والنشر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1956م.، ص.440.
(4)  المرجع نفسه، ص. ص. 441. 442.
(5)  الجرجاني(علي محمد بن الشريف)، التعريفات، مكتبة لبنان، بيروت، 1990م.، ص.155.
(6)  نخبة من الأساتذة المصريين والعرب، معجم العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م.، ص.390. 
(7)  المرجع نفسه، ص.39
(8)  جون ديوي، الفردية قديما وحديثا، ترجمة، خيري حماد، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، بيروت- نيويورك، 1979م.، ص. 155.
(9)Morgan Sportès, Solitudes(Roman), Paris, Éditions Du Seuil, 2000,p.20.   
(10)  نيكولا برديائيف، العزلة والمجتمع، ترجمة، فؤاد كامل عبد العزيز، مكتبة النهضة المصرية، 1960م.،  ص.131.
(11) المرجع نفسه، ص. 131.
(12) Octavio Paz, Le Labyrinthe de la soliitique de la pyramide, traduit   de l'eClatude suivi de Crrence Lambert,
Éditions Gallimard, 2 ème   édition, 1992, spagnol par Jean-p.166.  
                                                                                                                         
(13) نيكولا برديائيف، العزلة والمجتمع، ترجمة، فؤاد كامل عبد العزيز، ص. ص.128. 130.
(14) Morgan Sportès, Solitudes(Roman), Paris, Éditions Du Seuil, 2000,p.32.
(15) تيهرت أو تيارت Tiaretمدينة تقع بالغرب الجزائري.
(16) جون ديوي، الفردية قديما وحديثا، ص. 119.
(17)Octavio Paz, Le Labyrinthe de la solitude suivi de Critique de la pyramide,p.167.   
(18)Octavio Paz, Le Labyrinthe de la solitude suivi de Critique de la pyramide,p.167.
(19) د. فتحي التريكي، تعقيب على مبحث الدكتور عبد الوهاب المسيري، ضمن كتاب الحداثة وما بعد الحداثة،
دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 2003م.، ص. 308. 
(20)Octavio Paz, Le Labyrinthe de la solitude suivi de Critique de la pyramide, p.166.

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة