
عزلة كورونا و البحث عن الدزاين
المؤلف : الباحث لاتي حاج أحمد
المؤسسة: قسم الفلسفة، جامعة وهران2
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مخبر البحث : الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات، جامعة وهران2
فيروس كورونا اثبت ان الانسان المعاصر ليس هو مركز الكون بل حان للطبيعة ان تسترجع مكانتها و سلطتها، ما جعل الانسان المعاصر يعاني قلق انطولوجي من سيطرة الطبيعة عليه لان الانسان القديم دائما ما كان يتصارع مع الطبيعة و يحلم بالانتصار عليها الامر الذي أدى به الى عوض التفكير و البحث في الأسئلة المصيرية يقتصر على البحث عن الأسئلة التي تسهل حياته و تجعله المسيطر على الطبيعة. وهي الغاية التي وجدها في العلم."بحيث انتهى الانسان الى الاغتراب بين الكائنات بعد ان هجرته الكينونةnietzshe 2, p395) حقا لقد تحقق حلم ديكارت حيث صار الانسان سيدا على الطبيعة، و العالم موضوعا للاستهلاك و الاستعمال و محزونا للطاقة، لكنه انتهى الى ان صار بنفسه شيئا مثل باقي الأشياء والمواد الأولية خاضعا لارادة قوة جهنمية( محمد الاندلسي، 2015، 120)
في الحقيقة ان دخول البشرية في ازمة صحية جعل من الناس تعيش عزله و ابتعاد عن اليومي و حياتهم العادية، هذه العزلة هناك من ينظر اليها من جانبها السلبي اذ جعلت من الانا ينفصل و يبتعد عن الغير و عن موضوعه و عالمه، لكن سرعان ما يظهر العكس عند قراءتنا لكتاب "الكينونة و الزمان "(être et temps) 1927 للفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (martine Heidegger) الذي يعتبر ان الدزاين هو مشروع الانسان بمعنى انه ليس شيء ماثل امامين بل هو هدف كل انسان، كما هو معلوم ان هايدغر يتحاشى استخدام كلمة: انسان او أي كلمة من التراث القديم و يفضل استخدام كلمة "دزاين" dasein،وكما سبق و قلنا هذا الدزاين ليس شيئا قائما امامنا، بل هو هدف يسعى اليه كل واحد منا، كما انه يرفض جعل خصائص تشيئية تجعل هذا الدزاين شيء مثل باقي الأشياء يقول هايدغر :'' لا تعبر لفظة dasein التي نشير بها الى هذا الكائن عن ماذا هو، مثل المائدة و المنزل و الشجرة، بل عن الكينونة être" (Martine, 1986, 74).
يستخدم هايدغر مصطلح "الاصالة" و "اللااصالة" la propriété et l’impropriétيقول عنهما هايدغر انهما اختيرتا بالمعنى الصارم للفظ لتبين ان الدزاين يحدد في الأساس بالكينونة- دائما- لي – في كل مرة -غير ان عدم اصالة الدزاين لا تعني كينونة اقل او درجة دنيا من الكينونة، بل العكس يمكن للأصالة ان تعين الدزاين في مشاغله ومشاعره، واهتماماته و لذاته (martine, 1986, 74) االمر الذي يجعلنا نميز بين نوعين من الوجود وجود اصيل اين يكون هذا الوجود من اجل البحث عن الأسئلة الحقيقية المتعلقة أساسا بالكينونة مع الإشارة الى ان مهمة تمييز الكائن عن الكينونة و تفسيرها هي مهمة "الانطولوجيا" غير ان المنهج المناسب للبحث عن كينونة الكائن و عن الكينونة بصفة عامة هو المنهج الذي يؤكد عليه هايدغر و اخذه من أستاذ" ادموند هوسرل" بعد تنقيته من شوائب الانا المتعالية هو "النمط الفينومينولوجي" فهو الطريق الذي يجعلنا على حسبه نتوصل للإجابة عن الأسئلة الاصلية.لان الفينومينولوجيا لا تطرح الأسئلة المادية التي تأتي على شكل "ما" بل على شكل "كيف التي هي مناسبة للبحث الفلسفي (هايدغر، 2013، 87) و يتفق هايدغر مع هوسرل في شعار "العودة الى الأشياء ذاتها" retour ds chose meme للعودة الى اصل الأسئلة وتنقيتها من الأسئلة الزائفة المتوارثة على الأجيال باعتبارها مشاكل فلسفية،
كما انه يوضح ان هناك وجود غير اصيل اين ينغمس الانسان في الاخر فيبدا برؤية كل الأشياء و الظواهر و الحوادث التي تحدث على انها ينبغي ان تحدث و لا تثير في نفسه أي استغراب او دهشة، وجود قال عنه إبراهيم زكرياء " الوجود الذي تهبط فيه الذات الى بنفسها الى مستوى الموضوع، فتميل الى الانغماس في المجموع، املة من وراء ذلك التهرب من حريتها، والتنصل من مسؤوليتها و التخلص من شعورها بالقلق"(إبراهيم، دت، 406)ما يجعل الدزاين لا يحقق إمكاناته في هذه الحالة و يسقط في نمط العمومية و الغوغاء و التبعية، فلسفة هايدغر لا ينبغي ان نفهمها على انها نزعة فردية او تميل الى الذاتية و اقصاء الاخر بل على العكس هي ترفض ذلك الوجود مع الاخر الذي ينسينا مسؤولية وجودنا و التفكير في مصيرنا، وكأن هايدغر يشخص ما يعانيه الانسان المعاصر الذي جعلت التقنية منه وكانه شيء مماثل للموضوعات الموجودة في العالم الخارجيmonde extérieur
وفي الأخير يمكن القول ان فيروس كورونا كشف لنا عن جانب مهم من حياتنا هو الجانب الشخصي و الذات، وشعورنا بالمسؤولية تجاه انفسنا و الاخر و التفكير مليا في الكيفيات التي تجعل من الدزاين الخاص بنا دزاين اصيل بلغة هايدغر، إضافة الى انه ينبغي إعادة تفعيل دور الفلسفة باعتبارها كما يقول ميرلوبونتي في كتابه المرئي و اللامرئي (visible et linvisible " الفلسفة علم يعلمنا كيف نرى العالم ) كما ان ماهية الكائن تكمن في ان يكون.
-------------------------------
- Martine Heidegger, être et temps
- إبراهيم زكرياء، دراسات في الفلسفة المعاصرة
- Maurice merleau ponty, visible et l’invisible,
- محمد الامدلسي، افول المتعالي
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 08 أكتوير 2020