جون بول سارتر وهاجس الالتزام الإنساني مع الثورة الجزائرية_مقاربة لعلاقة المثقف بالثورة

 

المؤلف : الأستاذة: د.خديم أسماء

المؤسسة : قسم الفلسفة، جامعة معسكر

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث  : /

 

 

 

 

مقدمة:

لم تكن الثورة الجزائرية قضية إقليمية تخص الجزائريين فحسب، كما لم يكن هاجس الحرية والاستقلال مجرد حلم تحكمه الرغبة المحدودة لذلك الشعب. بل إن الأمر قد تجاوز الحدود الجغرافية وتعداها ليتحول إلى تطلع كوني تقاسمته العديد من الأصوات الحرة خارج الجزائر التي تؤمن بضرورة وأهمية أن يعيش الإنسان حرا بلا قيد.

يعتبر جون بول سارتر (1905-1980) من أبرز تلك الأصوات وأكثرها تأثيرا نظرا لموقعه كأديب يحظى بالشعبية والانتشار، وهو الأمر الذي مكّنه من القدرة على الإعلان عن مواقفه المعادية للاستعمار الفرنسي للجزائر من جهة وتشجيع ومباركة الثورة من جهة أخرى. وعلى الرغم من الضغوطات التي تعرّض لها من قبل السلطة الفرنسية من أجل أن يتراجع عن مواقفه لكنه استمر في نضاله، قناعة منه بأن المثقف سواء كان فيلسوفا أو أديبا هو صوت الأمة الذي لا يمكن إسكاته وهو لسان حالها الذي يجب أن يحافظ على مواقفه مهما كانت الإكراهات والتحديات. ما الخصوصية التي تميزت بها الثورة الجزائرية عند سارتر؟ وكيف استطاع أن يحافظ على دوره كمثقف يحمل رسالة إنسانية في ظل انتمائه لدولة استعمارية بامتياز كفرنسا؟

الفرضيات:

-جاء موقف سارتر كرد فعل إنساني على بشاعة الاستعمار الفرنسي وانتهاكاته تجاه الشعب الجزائري رافضا تلك الأساليب الهمجية التي انتفت معها الصورة الحضارية لفرنسا والتي سعت بجهود حثيثة على الحفاظ عليها.

-موقف سارتر من الثورة يندرج ضمن مساره النضالي ضد كل أوجه الاستعمار في العالم مهما تعددت وجوهه وتباينت     مضامينه، كما ساعدته في ذلك مكانته كأديب وصحفي يملك انتشارا واسعا وقوة في التأثير منقطعة النظير.

-يستطيع المثقف الملتزم أن يقدم الكثير للقضايا الإنسانية خاصة المصيرية منها بل ويمكنه التغيير أيضا إذا ما التزم بموقفه وكان دافعه نزيها وبعيدا عن النزعات الذاتية والإيديولوجية.

اقترن اسم الأديب الوجودي الفرنسي جون بول سارتر بالفورة الجزائرية أيما اقتران نظرا لموقفه المتميز والبارز تجاه تلك القضية، فقد رفع شعارات مناهضة للاستعمار الفرنسي وفي الوقت نفسه مؤيدة لحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وحقه في الاستقلال. وقد انخرط هو وباقي زملائه من اليساريين في الدفاع عن المستضعفين في العالم باسم أحقيتهم في العيش بسلام، فالحياة ليست ملكا لأحد وليس في مستطاع أي كان أن يسلب آخر حقه في أن يحيا في طمأنينة وسكينة. من هذا المنطلق حدد هؤلاء المثقفون هدفهم الحقيقي الذي يتجاوز مجرد الكتابة واكتساب الشهرة، وإنما الدفاع عن تلك القضايا المصيرية والإسهام في إيجاد الحلول لها. وهنا يمكننا ذكر بعض الاسماء كالمؤرخ بيار فيدال ناكي الذي انشغل هو الآخر بقضية تحرير كل الدول المستعمرة حينها، كما أنه اضطلع أيضا بمهمة الدفاع عن المسألة الجزائرية مثله مثل ريمون آرون الصحفي البارز في جريدة "le figaro" والذي سخّر قلمه في كتابة العديد من المقالات التي أنصفت ودافعت عن الثورة الجزائرية بقوة.

1-موقف النخبة المثقفة في فرنسا من القضية الجزائرية:

لا يخفى على أحد مدى استنزاف الاستعمار الفرنسي لطاقات وجهود الشعب الجزائري وكيف أفرزت تلك الضغوطات حالة من البؤس والغبن على مستوى حياة هؤلاء، وفي الوقت نفسه ولّدت تلك السياسة القمعية التي مارستها فرنسا مساحة كبيرة من الكراهية وحب الانتقام من هذا المحتل الغاشم حتى عند الأطفال الصغار. وبالفعل نجمت عن ذلك العديد من مواقف الرفض والازدراء تشكل معها نوعا من الوعي الوطني لدى أبناء هذا الشعب، حيث أنه وفي ظل هذه الظروف القاسية تكوّن جيل من المناضلين المتشبعين بالأفكار الثورية والمتمسكين بقيم الانتماء والحب لهذا الوطن.

ولم يتوقف الأمر عند المناضلين من أبناء الشعب بل تعداه إلى مجموعة من المثقفين الفرنسيين أو ما يُسمى بالنخبة المثقفة، والذين استطاعوا رصد سوء الأوضاع الذي آلت إليه حياة الجزائريين بمختلف شرائحهم فوقفوا وبشكل تضامني بحت موقفا منددا بذلك. وهي اللحظة الأولى التي يمكننا تحديدها بالموقف القيمي الإنساني الذي لا يخرج عن أخلاقية المشاركة الوجدانية التي يجب أن يحملها المثقف الحقيقي والحر. كما عبرت تلك النخب سواء بالتصريح أو التلميح عن رفضها لتلك الممارسات القمعية للاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري من تعذيب وتقتيل وتشريد، ولم يكن الأمر ليمر بسلاسة أو قبول من قبل السلطات الفرنسية حيث عرّضت هؤلاء المثقفين للمضايقات العديدة بسبب مواقفهم نذكر على سبيل المثال؛ بعض رجال الدين أمثال شاولي Chaulet، سكوتو Scotto وديكليريج Declereg. وآخرون مثل جوتون Gauton أودان Audin ماندوز Mandouze، لافاليت  Lavalette ومينMaine .[1]

ولم يتوقف الأمر على هؤلاء فقط إذ كان هناك من الفرنسيين من اتخذ موقفا رافضا أيضا للسياسة العنصرية لفرنسا بأن فروا من ثكناتهم بالأسلحة والأمتعة معبرين بذلك عن معارضتهم لفرنسا مثل ضابط الصف مايو Maillot، كما نجد نموذج رينيه فوتييه René Vautier الذي فضل العيش في جبال الأوراس من أجل تصوير كفاح الشعب الجزائري ليقدم شهادات حية عن ذلك النضال بواسطة كاميراته.[2] ليلتحق فيما بعد جون بول سارتر –ورغم تأخره في ذلك- بركب المساندين للثورة من المثقفين بعد قناعته التي تشبع بها سواء في تكوينه الأدبي أو السياسي بأنه من حق أي إنسان أن يتمتع بحقه في الحياة بأمان واستقرار، وفي المقابل ليس من حق أي كان أن يمارس سلطته على أحد لمجرد إدراكه أن هذا الكائن قاصر أو عاجز عن إدارة شؤونه. دون أن ننسى قوة كفاح الشعب الجزائري وصموده أمام قوة المستعمر رغم بساطة الوسائل ومحدوديتها في مقابل المكانة التي كانت تحتلها فرنسا آنذاك في سلم توازن القوى الدولية. إن اجتماع هذه المؤشرات وغيرها حرّكت في شخصية سارتر ضرورة تحديد موقفه من المسألة لأن أهمية المثقف لا تقف عند تأليف الكتب وتحرير المقالات فقط، بل تتجاوز ذلك إلى تأكيد حضوره الفعلي والحقيقي بترسيخ القيم الإنسانية والدفاع عنها بكل الوسائل والأدوات.

2-سارتر بين الأدب والسياسة:

قبل الحديث عن سارتر السياسي لابد من المرور باللحظة الأدبية في حياته باعتبارها تمثل الأرضية التي غذّت فيه ملكة النقد، وشجاعة الموقف الذي أبداه في حق سياسة فرنسا وطنه الأم وفي المقابل أنصف الجزائريين ودعّمهم في الدفاع عن قضيتهم. عُرف سارتر في عالم الأدب المسرحي الذي استطاع من خلاله أن يناقش العديد من الإشكاليات الأساسية في الفكر الفلسفي خاصة والإنساني عموما مثل: الوجود، القيم، الآخر، الحب، الكراهية، المسؤولية،...إلا أن أبرزها مشكلة الحرية التي أخذت حيّزا كبيرا من كتاباته، بوصفها خصوصية وجودية بمعنى أن " الإنسان يولد وقد حُكم عليه بالحرية" حسب تعبيره. إن هذه القناعة التي آمن بها سارتر جعلته يتبنى فكرة الدفاع عن هذا الحق الإنساني الذي لا بجب سلبه مهما كانت الأسباب والمبررات، واعتبار كل من يعدم حرية الكائن كمن يخرق النواميس الكونية ويخل بنظام الطبيعة.

يقودنا أدب المسرح عند سارتر إلى مفهوم الالتزام الذي اعتبره سارتر مبدأ جوهري في اتجاهه الأدبي والوجودي، والذي يعني مسؤولية الأديب فالكلام الأدبي ليس مجرد ترويح عن النفس أو تعبير جمالي، وإنما هو موقف تتبعه مسؤولية. وقد اتخذ سارتر من الأدب وسيلة للتعبير عن هموم الإنسان وصراعاته ضد كل القوى القهرية التي تحد من استقلاليته وبالتالي تجعل وجوده مشروطا بأشياء قد لا تكون ذات أهمية، كما يعمل الأدب الملتزم على تصحيح المفاهيم الخاطئة وإعادة تشكيلها بوعي جديد. ويعود تكوين سارتر الأدبي الهادف إلى التيار الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه حيث بعث فيه روح النضال والشجاعة في إبداء الرأي خاصة إذا ما كان الوضع يقتضي التدخل السريع وضرورة التغيير. وحتى أن اختيار الأدب دون غيره من الإنتاجات الفكرية مقصده هو قوة التأثير التي يحققها هذا المجال لانتشاره بين الأوساط وقدرته على استقطاب الجماهير لأنه يخاطب فيهم الوجدان وليس العقول فحسب. وقد حدد سارتر مسؤولية الأديب في النقاط التالية:

-تقديم نظرة إيجابية في الحرية والتحرر

-من الضروري أن يستنكر الأديب كل أوجه العنف الممارسة ضد الأفراد والجماعات

-تحديد علاقة صحيحة بين الأخلاق والسياسة بمعنى بين الغايات والوسائل

- على الأديب أن يرفض استعمال أي وسيلة من وسائل العنف في تحقيق أي نظام من الأنظمة أو من أجل إبقائه والمحافظة عليه.

إلى جانب الأدب المسرحي الذي يمثل تكوينه العلمي نجد تكوينا آخر وجه سارتر للاهتمام بالقضايا العادلة وهو ما كان يجري على الساحة السياسية العالمية، وتحديدا تجربة الحرب العالمية الثانية التي تركت أثرا بليغا في فكره إذ جعلته يتخلى عن التأمل الفلسفي ليكتشف أن الحرب هي المحرك الذي يدير كل الأحداث والتحولات. يقول في هذا الشأن:" إننا لم نكن أحرارا بمثل ما كنا في ظل الاحتلال الألماني، لقد فقدنا كل حقوقنا وخاصة حق التعبير...وأن الاختيار الذي اختاره كل واحد لنفسه كان أصيلا لأنه كان يعمل بحضور الموت..."[3] وهكذا يبدو سارتر متأثرا بما تخلفه الحرب من دمار ليس على الصعيد المادي فقط، وإنما تمتد إلى الجانب المعنوي والعاطفي فتقضي على الآمال والأحلام.

ومع مطلع نوفمبر 1954 أي بانفجار الثورة التحريرية في الجزائر بدأت استجابات المثقفين والاوساط السياسية من المسألة، وجد سارتر نفسه في موقف أقل ما يُقال عنه أنه معقد فهو ملتزم أمام وطنه الأم من جهة، وملتزم أيضا بمبدأ الحرية التي هي شرط إمكان الوجود الإنساني. لكنه اختار مع ذلك التصادم فقال:" أنظر إلى موقفي تجاه الثورة الجزائرية ...وهي الفترة التي تخليت فيها عن الحزب الشيوعي لأن مطالب الحزب ومطالبي لم تكن واحدة، فالحزب يرى استقلال الجزائر بطريقة خاصو وغامضة بينما نحن متفقون مع جبهة التحرير الوطني لتحقيق الاستقلال في المستقبل القريب."[4]

3-سارتر والثورة الجزائرية:

حسم سارتر موقفه من القضية الجزائرية تحديدا سنة 1956 من خلال مقاله في مجلة الأزمنة الحديثة les temps modernes بعنوان " الاستعمار هو نظام" ونادى فيه بالاعتراف بالجزائر كدولة والدخول في المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، بوصفها الممثل الشرعي للشعب الجزائري كما تبين له أبعاد المخطط الفرنسي والممثلة في السياسي والاقتصادي وقد قال في هذا الشأن: " نحن فرنسيي المتروبول، الدرس الوحيد الذي نستنتجه من المعطيات السابقة أن الاستعمار في حالة تحطيم نفسه بنفسه... ودورنا هو مساعدة الاستعمار لكي ينتحر ليس فقط في الجزائر ولكن أينما كان أولئك الذين يفكرون في التخلي هم أغبياء، لا يمكن التخلي عن شيء لا نملكه أصلا. بل بالعكس يجب إنشاء علاقات جديدة مع الجزائريين بين فرنسا حرة وجزائر متحررة"[5]

في البداية وجد سارتر أن دوره كمثقف يتطلب منه حكمة في القول وفي الموقف فكان خطابه موجه للسلطة الفرنسية التي كان يرى فيها ذلك البعد الحضاري العريق الذي سيجعل من احتلالها للجزائر فقط لأغراض اقتصادية وسياسية، دفعها إليها الرغبة في بسط النفود والاستغلال المادي. ورغم رفضه لهذا التطلع مند البداية إلا أنه لم يكن يعرف حقيقة الأمر إلا لاحقا. إذ تبين له أن الدوافع الاستعمارية زادت عن حدها فتحولت استغلالية ووحشية فقد مارس الجيش الفرنسي كل أنواع التعذيب على الشعب الجزائري رغم استهجانه من قبل الأديان السماوية والقوانين الوضعية. وقد تحدث عن هذه النقطة فقال:" ليس التعذيب مدنيا أو عسكريا ولا فرنسيا على وجه التخصيص، إنه وباء يكتسح العصر كله... ولكنه يُطبق بانتظام خلف ستار المشروعية الديمقراطية، يمكن تعريفه بأنه مؤسسة نصف سرية، فهل أسبابه واحدة في كل مكان؟"[6] وقد خص مسألة التعذيب في مقدمة كتاب " المسألة" la question لصاحبه هنري آلاق Henri Alleg (1958) فكتب بعنوان Une victoire فيصف الضحية التي تتعرض للتعذيب وتستطيع المقاومة بشجاعة وصبر بأنها منتصرة في النهاية لأنها لم تمكّن الجلاد من غرضه وهدفه من التعذيب وهو الاعتراف.[7]

بعد اكتشافه لوحشية الاستعمار الفرنسي في ممارسته لأبشع طرق التعذيب في حق أفراد الشعب الجزائري، تعززت لدى سارتر فكرة الحرية التي طالما نادى بها وتخللت كل أعماله الفلسفية والأدبية. فتغيرت بذلك لغته أيضا مع هذا الكيان الوحشي إذ أصبحت مواقفه أكثر حدة وتنديدا بالسياسة الفرنسية تجاه الجزائر، ولم يكتف بذلك بل عمل على تدويل موقفه هذا في كل المحافل الدولية خاصة تلك التي أبدت مساندتها للقضية الجزائرية نذكر كوبا مثلا والتي أعلن فيها عن موقفه المؤيد للثورة الجزائرية في لقاء خاص جمعه مع الرئيس فيدال كاسترو. وقد زاد نشاطه النضالي مع بداية الستينات وتحديدا سنة 1960 ففي محاكمة الشبكة السرية لجونسون من قبل المحكمة العسكرية التي دامت حوالي الشهر، فاجأ سارتر المحكمة بإرسال رسالة يؤكد فيها تضامنه الكلي مع جونسون وقد تمت قراءتها في المحكمة وقد جاء فيها:" لا أظن أنه يوجد في هذا المجال مهام شريفة ومهام سوقية (غير شريفة) أو نشاطات مخصصة للمثقفين وأخرى غير جديرة بهم. فإن أساتذة السوربون أثناء المقاومة لم يترددوا في نقل المراسلات وإقامة الاتصالات، ولهذا إذا طلب مني جونسون حمل حقائب أو إيواء مناضلين جزائريين بحيث أقوم بهذه المهمة بغير أن أعرّض حياتهم للخطر، فسأقوم بذلك دون تردد ولهذا أعتقد أن هذه الأشياء يجب أن تقال: ذلك أن الوقت قد حان إذ يجب على كل شخص أن يتحمل مسؤوليته."[8] واستمرت مواقف سارتر المعادية للسياسة الفرنسية بالجزائر حيث شارك سنة 1961 في مظاهرة سلمية تنديدا بالقمع والتقتيل الجماعي الذي مورس على العمال الجزائريين المتظاهرين في باريس بتاريخ 17 أكتوبر. أما سنة 1962 فقد وقف سارتر مدافعا عن Abbé Robert Davezies الذي اتهم بمساعدة أعضاء جبهة التحرير الوطني في إحدى عملياتهم السياسية بتقديم أدلة للمحكمة لإنصافه. وعليه أصبح سارتر متتبعا لتحولات القضية الجزائرية بكل تفاصيلها إذ شارك لا حقا في مسيرة ضد العمليات الإجرامية التي كانت تشنها المنظمة السرية بالجزائر وفرنسا. وبعد الإعلاق عن وقف إطلاق النار بمارس 1962 كتب مقالا بعنوان " المشاة النائمون" les somnambules والذي خصه بالحديث عن السلام وعن مدى قسوة وصعوبة تحقيق الحرية في ظل الأنظمة الفاشية المتسلطة، وقد جاء فيه:" ينبغي القول إننا نلاحق وهم السعادة، فمنذ سبع سنوات تجسد فرنسا صورة كلب مسعور يجر قدرا بذيله، ويزداد هلعا يوما بعد يوم نتيجة ما يحدثه بذاته من صخب وضجيج، لا أحد ينكر اليوم أننا توخينا تخريب وتجويع وتقتيل شعب مغلوب على امره كي نركعه، لكنه بقي صامدا لكن بأي ثمن؟"[9]

 

خاتمة:

في ختام هذه الورقة يمكننا القول أن سارتر يمثل صورة المثقف الملتزم بكل تفاصيلها، حيث استطاع أن يفصل بين نزوعه إلى الوطن الأم فرنسا والتي كانت تمثل القوة الطاغية، وميله إلى الجزائر التي وجد فيها الطرف الذي سُلبت منه حريته. وكان بذلك وفيا لفلسفته التي عاش كل تفصيلة فيها مدافعا عن الحرية كمبدأ إنساني وأنطولوجي، لتتحول فيما بعد إلى قضية تحرر بمعنى أنه إذا كانت الحرية مُعطى فطري حسب سارتر فإن التحرر فعل وممارسة إنه اكتشاف واستحقاق لا يناله إلا من يجتهدون ويناضلون ولا يعرفون للاستسلام طريقا وكان الشعب الجزائري جدير بهذا الشرف، لذلك فالتحرر أغلى بكثير من الحرية لأنح لا يُمنح وإنما يؤخذ بالكفاح والصبر والإيمان.

-------------------------------

المصادر والمراجع:

 

1-سليم بتقة، الثورة الجزائرية في كتابات المثقفين الفرنسيين –سارتر نموذجا-، مجلة المخبر، أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، العدد 11 جامعة بسكرة، 2015.

2-عمراني، عبد المجيد، جون بول سارتر والثورة الجزائرية، مكتبة مدبولي، القاهرة، (د،ط)، (د، ت).

3-سارتر، عارنا في الجزائر، تر: عايدة وسهير إدريس، دار الآداب، بيروت، 1975.

4-Sartre, Situations, III, Gallimard, Paris, 1949.

5-Sartre, « le colonialisme est un système », les temps modernes, N 123, 1956

6-Francis Janson, Sartre dans sa vie, le seuil, Paris ,1964

7-Les somnambules, Les temps modernes, avril 1962, dans situations 5

[1] سليم بتقة، الثورة الجزائرية في كتابات المثقفين الفرنسيين –سارتر نموذجا-، مجلة المخبر، أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، العدد 11 جامعة بسكرة، 2015، ص: 60.

[2] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[3]Sartre, Situations, III, Gallimard, Paris, 1949, pp :11-14

[4] عمراني، عبد المجيد، جون بول سارتر والثورة الجزائرية، مكتبة مدبولي، القاهرة، (د،ط)، (د، ت)، ص: 30

[5] Sartre, « le colonialisme est un système », les temps modernes, N 123, 1956, p : 1371

[6] سارتر، عارنا في الجزائر، تر: عايدة وسهير إدريس، دار الآداب، بيروت، 1975، ص: 56-57

[7] عمراني عبد المجيد، مرجع سابق، ص: 77-78

[8] Francis Janson, Sartre dans sa vie, le seuil, Paris, 1964, p : 217 نقلا عن عبد المجيد عمراني ، المرجع السابق، ص ص: 142-143.

[9] Les somnambules, Les temps modernes, avril 1962, dans situations 5, op.cit, p :161

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة