التجربة التأويلية وسؤال التراث عند "غدامير"

 

 

المؤلف : أ.د.بلعاليا دومة ميلود

المؤسسة: قسم الفلسفة، جامعة الشلف

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث  :الأنساق، البنيات النماذج والممارسات، جامعة وهران2

 

 

 

 

تمهيد:

     لقد انتبه "غدامير" إلى أن مسعاه نحو إعادة الاعتبار للتراث يتطلب تأطيرا مقولاتيا جديدا للوعي التاريخي متجاوزا لمقولة الوعي الذاتي التي تجد أصولها الحديثة في المفهوم الديكارتي للوعي كوعي بدئي و سيادي، وهو ما نلحظه في استخدامه لمقولة مفتاحية داخل نصه، أعني مقولة "الوعي المتأثر بالتاريخ"[1] (Wikungsgeschichtliches Bewusstsein)، أو ـ تمشيا مع ما اقترحه الفيلسوف الفرنسي "بول ريكور"(P. Ricoeur)  كترجمة فرنسية لهذه المقولة ـ "الوعي المعرض لفاعلية التاريخ" (La conscience d’etre exposé à l’efficience de l’histoire) [2]. ويمكننا أن نستشف المعنى الإجمالي الذي ضمنه "غدامير" لهذا الوعي من خلال متابعتنا "لريكور" وهو يقوم بتحليل هذا الوعي قائلا :"يمكن القول بإجمال أنه يعني الوعي بأننا معرضون للتاريخ ولفعله بكيفية لا يمكن معها أن نحدد بموضوعية هذا التأثير علينا لأن هذه الفعالية هي جزء من معناه بوصفه ظاهرة تاريخية"[3]. نقرأ هذا المعنى ذاته في المحاضرة التي ألقاها "غدامير" عام 1965 بتوبنغن المعنونة بـ: "استمرارية التاريخ وآن الوجود" حيث صرح قائلا: " ما أريد أن أقوله من هنا أولا، أنه ليس بمقدورنا أن ننأى بأنفسنا عن الصيرورة  وأن نواجهها كما لو أن بالامكان أن يكون التاريخ، بالنسبة لنا، موضوعا (...) إننا نسبح دوما في قلب  التاريخ (...) وإني أسمي هذا: "وعي التاريخ التأثيري" لأن ما أقصده من هنا هو أن وعينا (...) محدد بصيرورة تاريخية حقيقية لا تسمح بالتموقع الحر أمام الماضي، هذا من ناحية، و من ناحية ثانية، أن ننمي بداخلنا، وفي كل حين، وعيا بهذا الوجود ـ المتأثربحيث أن كل ماض يعرض نفسه على تجربتنا يرغمنا على مواجهته، وتحمل حقيقته بشكل من الأشكال"[4] .

      إن مقولة "الوعي المتأثر بالتاريخ" مضايفة لمعنى الوجود الإنساني ، لا من حيث هو وجود سابق ومنفصل عن أي تشكل تاريخي ، بل من حيث هو منذ البدء وقبل أي إمكانية للتموضع "وجود ـ متأثر ـ بالماضي"[5] (Etre-affecté-par-le passé)، ولهذا التضايف في المعنى دلالة أنطولوجية عميقة فيما يتعلق ببنية الفكر التاريخي وبنمط الحقيقة الذي يشترعه الفهم التاريخي، إذ بافتراض علاقة التضايف هذه، يصير من الضروري الإقرار بأن الموضوع التاريخي الحقيقي ليس موضوعا على الإطلاق، إنما هو "علاقة تكون كلا من واقع التاريخ وواقع الفهم التاريخي"[6] ، أي أن الوعي بتاثير التاريخ هو وعي يتأبى عن أي ضرب من التعالي أو الترفع عن إحراجات اللغة والإيديولوجيا وكل التأثيرات التاريخية، بل هو ذاته حصيلة هذه الإحراجات وهذه الشبكة من التأثيرات التاريخية، ومن ثم يغدو كل فهم، ضمن هذا البعد التأويلي للوعي التاريخي، في الأساس "حدثا متأثرا بالتاريخ"[7]، كما يغدو الوعي بالتراث، طبقا لهذا الإطار المقولاتي الجديد، وعيا غير بدئي، بمعنى وعيا منخرطا في التاريخ السابق عليه، ومن ثم هو وعي لا يمكن أن يحتل موضعا خارجيا بالقياس إلى الماضي أو التراث، بل وضعا داخليا هو ما يسميه "غدامير" "بالوضع أو الموقف التأويلي"[8]

      لكن ما هي التداعيات الدلالية لهذه المقولة الغداميرية، أي مقولة "الوعي المتأثر تاريخيا، على مفهوم التراث ومكانته ؟

     لكي نقترب من طبيعة هذا الوعي في منظور "غدامير"، علينا أن ندرك أولا أهمية مفهوم آخر، حاول "غدامير" أن ينقله إلينا قبل أي تحديد نهائي وحاسم لمفهوم "الوعي المتأثر بالتاريخ"، أعني بذلك مفهوم "التجربة" (Erfahrung)، خاصة أن "غدامير" ينطلق من الإقرار المبدئي بأن لهذا الوعي "بنية تجربة"[9]، فماذا يعني بذلك؟ وأي ضرب من التجربة يقصده؟

     في تحليله لمفهوم التجربة، يقف "غدامير" عند شكل محدد للتجربة هو ما يدعوه بالتجربة الأصيلة، أو التجربة الحقيقية (غير الزائفة) التي تختلف عن التجربة العلمية من جهة أنها تشترط عنصر"التاريخية"(Historicité) ، "فتجربة المرء الأصيلة، كما يقول غدامير، هي تجربته لتاريخيته"[10]، أي التجربة، لا بمعنى تلك التي تطابق توقعنا وتثبته، إنما بمعنى التجربة التي تظل فريدة وجديدة، وهي على الدوام خصبة، وذلك بفضل طابع "السلب" فيها، أو بالأحرى طابعها الجدلي: "فلو حصلت لنا تجربة جديدة بموضوع ما، فهذا معناه أننا لم نكن حتى الآن نرى هذا الموضوع بشكل صحيح، والآن فإننا نعرفه على نحو أفضل. وعليه فإن سلبية التجربة لها معنى خصب على نحو لافت للنظر..."[11]، إنها التجربة التي تفترض إمكان الانفتاح المتجدد واللانهائي للذات بالرغم من الطابع المحدود والنهائي للوجود الإنساني، وهو المعنى الذي منحه "هيغل" للتجربة، والذي يقبله "غدامير" في حدود معينة، هي ذات الحدود التي يتحرك فيها الوعي التاريخي كوعي متناه و غير قابل للاكتمال، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يعثر على نفسه في تطابق تام مع ذاته، أي باختصار لا يمكن أن ينظر إليه كجزء من الوعي الذاتي المطلق، ولعل هذا هو ما يدفعنا إلى تفهم شعور "غدامير" المزدوج بالإعجاب وخيبة الأمل في ذات الوقت، تماما مثل شعور أستاذه "هيدغر"، بإزاء  تحليل هيغل الديالكتيكي لمفهوم التجربة، نستشف ذلك حين يقول بنبرة فيها شيء من الأسف:" نستطيع أن نفهم الآن لماذا لا يفي تطبيق جدل هيغل على التاريخ، بقدر ما ينظر إليه كجزء من الوعي الذاتي الفلسفي المطلق، أقول لا يفي الوعي التأويلي حقه"[12] . ذلك أن ما يصفه "هيغل" هو تجربة الوعي الذاتي بذاته، طالما أن معياره للتجربة هو حصول المعرفة المكتملة للذات بذاتها، أي المعرفة المطلقة، ومن ثم إمكان تجاوز التجربة نفسها في "العلم" الشامل والمطلق، وهذا التصور الجدلي للتجربة في نظر "غدامير"، بالرغم مما فيه من حقيقة، فهو لا يعبر عن جدل التجربة المناسب، لأن "جدل التجربة المناسب ليس في المعرفة النهائية، إنما في الانفتاح على تجربة تكون ممكنة من خلال التجربة ذاتها"[13].

     إن الاحتفاظ بجدل التجربة على هذا النحو، يمنح التجربة دلالة إنسانية عامة، لا تقتصر على عنصر المعرفة فقط بل تشمل كل استعدادات البشر التعلمية في الحياة، "فهي بهذا المعنى تنتمي لطبيعة الإنسان التاريخية"[14]، وبما إن الطبيعة التاريخية للإنسان هي طبيعة متناهية، فإن التجربة الحقيقية، في منظور "غدامير"، هي تجربة التناهي الإنساني، وأن المجرب الحقيقي هو الشخص الذي يتأسى، ويعرف أنه لا يتحكم بزمانه ولا بمستقبله(...) [إنها] هي ما يصير الإنسان من خلاله واعيا بتناهيه، فيكتشف فيها حدود قوة عقله المخطط، وحدود معرفة هذا العقل الذاتية"[15] . إن هذه التجربة ذات البنية العامة هي ما يدعوه، "غدامير"، وبامتياز "بالتجربة التأويلية"(Expérience herméneutique) . فما أهمية هذه التجربة بالنسبة لطبيعة الوعي المتأثر بالتاريخ، ومن ثم بالنسبة لمشروعية التراث؟

    تقدم "التجربة التأويلية"، في منظور "غدامير"، نمطا مخصوصا من العلاقة بالتراث، شبيه بنمط التجربة التي تتضمنها العلاقة بين الأنا والأنت، ومن ثم ستأخذ هذه التجربة بعدا تأويليا يسمح بشكل محدد من الفهم الخاص للتراث، لا من حيث كما لو كان هذا الفهم رأيا أو نمط حياة لشخص آخر، يمكن أن نتخذهما موضوعا لمعرفتنا، ومن ثم إخضاعه لإرادتنا، بل إن الفهم الذي يعنيه "غدامير" للتراث، هو فهم للتراث من حيث هو لغة، أي من حيث أنه يدعونا للحوار مثلما يدعونا إليه "الآخر" عندما يروي لنا نفسه. "فالتراث، كما يقول "غدامير"، طرف أصيل في الحوار، ونحن ننتمي إليه، كما تكون الأنا مع الأنت"[16] . وبناء عليه فإن "غدامير" يخرج تجربة الأنا مع الأنت التي يتضمنها الوعي بالتراث من دائرة الادعاءات المنهجية والمعرفية التي تختزل هذه التجربة في علاقة "ذات / موضوع". فالأنت ليس موضوعا، كما ليس أداة نتوسل بها لخدمة أغراضنا الخاصة، إنما الأنت هنا هو الأنت الحقيقي، أي الشخص الذي له تجربته الخاصة والذي لديه دوما ما يقوله لنا، ومن هنا يفصح فهم الأنت عن مضمونه الأخلاقي، وتفصح التجربة التأويلية عن بعدها "الانفتاحي"، أو بالأحرى، نزوعها اللادوغمائي.

    إن تحقيق المثل الأخلاقي والانفتاحي للتجربة التأويلية من حيث هي شكل مخصوص لتجربة الأنا ـ الأنت، تطلب من "غدامير" تمييزا دقيقا بين مجالات أخرى للعلاقة بين الأنا والأنت، حيث استعملت هذه العلاقة بمضمون لا يرقى إلى مستوى العلاقة الحقيقية التي تتضمنها تجربة الوعي بالتراث أو ما يسميها غدامير ذاته "بتجربة الوعي التاريخي"[17] . غير أنه قبل أن يصل "غدامير" إلى تحديد بنية هذه التجربة ومن خلالها الاستدلال على مشروعية التراث، اضطر، كما قلنا، إلى إجراء تمييز دقيق بين استعمالات متنوعة لمفهوم تجربة الأنت، يمكن ردها في رأينا إلى استعمالين: أحدهما استعمال غير مشروع أو زائف ومبتذل والثاني استعمال مشروع أو حقيقي وأصيل.

     أ/ الشكل المبتذل للعلاقة بين الأنا والأنت:

     يمكن أن نميز داخل هذا الشكل طريقتين لتجربة الأنت: الأولى هي ما يدرجه "غدامير" ضمن مخطط العلاقة القائمة على مبدأ معرفة الطبيعة البشرية، أي هي التجربة التي "نفهم فيها الشخص الآخر بنفس الطريقة التي نفهم بها حدث نمطي في حقل تجربتنا"[18]، ومن ثم يكون الهدف من هذه التجربة ليس فهم الآخر في آخريته أو غيريته، وإنما هو توسل بالآخر لتحقيق أغراضنا وتقوية المزيد من الاهتمام بالذات أو الأنا على حساب الأنت، ومنه فإن هذا الشكل من العلاقة يفتقر إلى البعد الأخلاقي الذي يفترض أن تتضمنه فكرة الشخص ذاتها.

      إن قياس هذا الشكل من تجربة الأنت على العلاقة بالتراث، من شأنه أن يسطح طبيعة التجربة التأويلية، لأنه لا يسمح للتراث بأن يكون طرفا في الحوار كما لو كان شخصا قادرا على تعليمنا شيئا جديدا، ولعل هذا ما يبرر، لدى غدامير، إحدى إخفاقات التوسط المنهجي في التعامل مع التراث كما لو كان موضوعا للمعرفة فقط.

      أما الطريقة الثانية لتجربة الأنت داخل هذا الشكل المبتذل للعلاقة أنا ـ أنت، فهو القائم على مبدأ الاعتراف بالأنت أو بالآخر كشخص، ولكن هو اعتراف لا يفهم إلا في إطار جدلي صراعي، ينتهي إلى عملية احتواء الآخر، تحت دعوى فهمه أفضل، وربما أكثر من فهمه هو لنفسه، ومن ثم هزيمته داخل وعي الذات، ولعل أكثر الأشكال تطرفا لهذه التجربة تظهر في علاقة السيد والعبد كما صاغها هيغل. 

       ب/ الشكل الأصيل للعلاقة بين الأنا والأنت:

      يندرج هذا الشكل ضمن مفهوم التجربة التأويلية بامتياز، وفيها تأخذ العلاقة بالتراث وضعا شبيها بتجربة الأنت الحقيقية، حيث يصير أكثر من مجرد موضوع تعلمنا التجربة كيف نتحكم فيه، بل هو طرف أساسي في فهمنا لذاتنا وللعالم الذي ننتمي إليه، وعليه فإن وضع التراث هنا يقابله وضع الأنت كشخص لا كموضوع، الأمر الذي لا يمكن ربطه "بإيمان ساذج بالمنهج، ولا بالموضوعية التي يمكن الحصول عليها من خلاله"[19] ، لأن التوسل بالمنهج في هذه الحالة من شأنه أن يخلق لدى المجرب اعتقادا وهميا بإمكان التحرر النهائي من قوة الماضي، ومن سلطة الأحكام المسبقة، كما هو مثل عصر التنوير، بينما "الشخص الذي يعتقد أنه يخلو من الأحكام المسبقة، ويعول على موضوعية اجراءاته، وينكر أنه هو نفسه خاضع للشروط التاريخية، فإنما هو يجرب قوة الأحكام المسبقة التي تهيمن عليه من دون أن يدري كقوة خلفية"[20] . فالارتباط بالأحكام المسبقة والاعتراف بها كشيئ يشترط إمكانية الفهم ذاتها للتراث، من شأنهما أن يجعلا العلاقة بالتراث علاقة حية، الأمر الذي سيتيح للتراث إمكانية أن يقول لنا شيئا دون إكراه أو إغراء منهجي ما، ولعل هذا ما جعل "غدامير" يناظر بين تجربة التراث وبين تجربة الأنت الأصيلة، مستلهما المعنى الحقيقي لهذه التجربة من معنى المصاحبة الذي تزخر به كل علاقة إنسانية أصيلة، حيث يكون الاصغاء إلى الآخر انفتاحا عليه، و هذا الانفتاح هو الذي يمثل العنصر الأصيل في تجربة الأنت من حيث هي تجربة تأويلية، لأنه [أي الانفتاح على الآخر] "يتضمن الإقرار بأني أنا نفسي يجب أن أقبل ببعض الأشياء التي تكون ضدي، حتى لو لم يكن هناك من يكرهني على ذلك"[21] .

     على هذا النحو بالذات إذن، يوازي "غدامير" بين تجربة الأنت الحقيقية وبين التجربة التأويلية، الأمر الذي يسمح للتراث بادعاء مشروعيته، "ليس بمعنى الاعتراف البسيط للماضي بآخريته، إنما بطريقة تجعله يقول لي شيئا ما (...) وبأن الوعي المتأثر بالتاريخ [هو الوعي الذي] يدع نفسه تجرب التراث، وأن يجعل نفسه منفتحة على دعوى الحقيقة التي يحملها التراث في تضاعيفه. فلا يبلغ الوعي التأويلي ذروته في وثوقه بذاته منهاجيا، إنما في استعداده للتجربة الذي يميز الإنسان المجرب من الإنسان الواقع في أسر الدوغما. ونستطيع أن نقول بصورة أدق بموجب مفهوم التجربة: إن هذا الاستعداد هو ما يميز الوعي المتأثر بالتاريح"[22] .

 خاتمة:

    يتضح مما سبق أن مقولة "الوعي المعرض لتأثيرات التاريخ" لدى "غدامير" أتاحت إعادة صياغة مفهوم التراث على خلفية أنطولوجية محضة، إذ لم يعد التراث منظورا إليه كمجرد موضوع للبحث التاريخي، ومن ثم كموضوع للمحاكمة المنهاجية، بل صار مع المفهوم الجديد للوعي التاريخي، كما ينبه على ذلك "بول ريكور"[23]، أقرب إلى المعنى الذي يمنحه "هيغل" لمفهوم الحياة الأخلاقية  (Sittlichkeit)، أي بمعنى تلك العادات والأعراف المتبعة التي تَحملنا قبل أن نكون في وضع يسمح لنا بمحاكمتها أو إدانتها.

    إن التراث، بهذا المعنى، ليس شيئا من بين أشياء الماضي، بل هو "شيء الماضي"(Chose du passé) : أي العالم الذي ننتمي إليه والذي نشارك فيه". فالشيء هنا هو ما يسبق وجودي كذات ، وتاليا يشرط فهمي لذاتي من حيث هو فهم متناه، أي تاريخي، ومن ثم ننتمي إليه باعتباره الأرض الأنطولوجية التي تنغرس فيها الذات، ونشارك فيه باعتباره جملة من "التراثات المنقولة، أي مضامين ذات معنى وذات ادعاء بالحقيقة والتي لا يمكن فصلها عن سؤال الحقيقة إلا من حيث التجريد، الأمر الذي يفرض علينا تحملها بواسطة سلسلة من التأويلات وإعادة التأويلات. "فكل تراث، كما يقول ريكور، يحيا بفضل نعمة التأويل"[24].

    إن الدفاع عن التراث هو دفاع عن علاقة دعوى التراث بالحقيقة، وهي دعوى، في نظر "غدامير"، لا تصدر عنا، بل تصلنا، كما يقول "ريكور" في معرض حديثه عن "غدامير"، كصوت آت من الماضي، وفي هذا تأكيد لما ذهب إليه "غدامير" حين يقول: "يمتلئ شعورنا التاريخي دائما بأصوات شتى يتردد فيها صدى الماضي. والحاضر وحده هو ما يستقر في تنوع هذه الأصوات: هذا ما يشكل ماهية التراث الذي نسعى إلى أن نشترك ونسهم فيه"[25].

 

--------------------------------------------------------------

[1] H.G. Gadamer, Wahrheit und Methode, Tubingen, J.B.C. Mohr (Paul Siebeck), 1re éd. 1960, 3e éd. 1973, p. 284 sq. ; trad. Fr., Paris, Ed. du seuil, 1976, p.185 sq.                                      

[2]Paul Ricoeur, Temps et récit, Tome 3,Seuil,1984, p. 391           

[3] أنظر: بول ريكور، من النص إلى الفعل، ترجمة محمد برادة وحسان بورقية، دار الأمان، ط1، 2004، الرباط، ص 240

[4] Cf. Gadamer, "La continuité de l’histoire et l’instant de l’existence » dans : langage et vérité, traduit de l’allemend et préfacé par Jean-Claude Gens, éditions Gallimard, 1995, p. 80   

[5] Paul Ricoeur, Temps et récit, op.cit., p. 391 

[6] غدامير، الحقيقة والمنهج، الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية، ترجمة  حسن ناظم و على حاكم صالح، راجعه عن الألمانية جورج كتورة، دار أويا، ط1، 2007، ص 409

[7] المصدر نفسه، ص 410

[8] يقول غدامير، " إن الوعي المتأثر بالتاريخ هو، في المقام الأول، وعي بالموقف التأويلي". المصدر نفسه، ص 411

[9] غدامير، المصدر نفسه، ص 464

[10] المصدر نفسه، ص 478

[11] المصدر نفسه، ص 472

[12] المصدر نفسه، ص 475

[13] المصدر نفسه، ص 475

[14] المصدر نفسه، ص نفسها

[15] المصدر نفسه، ص 477

[16] المصدر نفسه، ص 478

[17] نفسه، ص 481

[18] المصدر نفسه، ص 479

[19] المصدر نفسه، ص  نفسها

[20] نفسه، ص 481

[21] المصدر نفسه، ص 482

[22] نفسه، ص 482

[23] Paul Ricoeur, Temps et récit, Tome 3, op.cit, p. 403           

[24]Paul Ricœur, Le conflit des interprétations, Seuil, 1969, p.31                                                                

[25] Cité en marge in : P. Ricoeur, Temps et récit, Tome 3, op.cit, p. 403                                                   

               

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة