المدرسة والمجتمع: تساؤلات في عمق واقع المدرسة الجزائرية

 

المؤلف : الأستاذة تيرس حبيبة

المؤسسة: قسم الفلسفة، جامعة الشلف

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث  : الفلسفة وتاريخها بجامعة وهران2

 

 

 

 

 

 

بداية علينا أن ننوه إلى ما شدّنا لكتابة هذه الأسطر حول واقع المدرسة الجزائرية، ولفت إنتباهنا كثيرا وهو ما نقرؤه عبر تصفحنا لمواقع التواصل الإجتماعي ومختلف وسائل الإعلام وبصورة دورية عن نشر أبحاث علمية لباحثين، وعلماء جزائريين أبدعوا في تخصصات كثيرة طبية وتكنولوجيا وغيرها، واعتلو مقدمة الرتب وقدموا خدمات علمية جلية ساعدت في تطور بلد غير بلدهم وهذا ما يعرف بـ" هجرة الأدمغة"، وفي المقابل عندما نقرأ التعليقات الواردة حول هذه المنشورات من افتخار وتبجيل لهذه العقول باعتبارها جزائرية، يهزو في نفوسنا شعورا مخالفا للافتخار وهو الشعور بالأسف والخسارة، نعم خسارة المجتمع الجزائري لخدمات أبنائه، وبالتالي تجاوز شعار "المدرسة للمجتمع".

ما نلاحظه اليوم إيزاء نظامنا التربوي هو تلك النظرة التشاؤمية تجاه المدرسة الجزائرية من قبل معظم شرائح المجتمع، بداية من التلاميذ وأوليائهم، والطلبة، وحتى العاملين في القطاع التربوي من ملعمين ومدراء ومفتشين وكذا الباحثين في مجال التربية، وملخص هذا الوضع "هو فقدان الثقة في المدرسة الجزائرية" باعتبار أن هناك تراجع في المستوى التعليمي من سنة إلى أخرى بالرغم من المجهودات المستمرة التي تبذل في محاولة إصلاح هذه المنظومة التربوية، غير أن الحكم بالفشل يحمل في طياته دلائل إصداره. وكون المدرسة هي جزء أساسي من المنظومة الإجتماعية ككل فإن تأثر هذه الأخيرة يعود كذلك بالسلب عليها.

إن النظرة الضيقة للأهداف التربوية تجعل المدرسة مؤسسة معزولة عن المجتمع الذي أسسها، فاعتبار النجاح من خلال حصول التلميذ على نقاط تمكنه من الإنتقال إلى مرحلة عليا، وكذلك تخرجه وحصوله على وظيفة تمكنه من العيش يبقى هدفا ناقصا لا يجعل المدرسة مؤسسة إجتماعية فاعلة في هذا المجتمع بل يبقى نجاحا أنانيا يتمحور حول الفرد فقط وبعيدا كل البعد عن تكوين المواطن الواعي بوظيفته الاساسية.

ولكن علينا أن نتساءل لماذا هذه النظرة الأنانية والضيقة من قبل الطالب؟ يجب الإعتراف بأن النظام السائد في المجتمع بكل تداعياته الإقتصادية والتربوية والسياسية يتحمل جزءا كبيرا من هذه النظرة ولو بطريقة غير مقصودة وغير مباشرة، لأن الطبيعة البشرية تنزع نحو العيش في بيئة توفر لها شروط إرتقائها ونجاحها المادي بالدرجة الأولى، وكذا النجاح القيمي الأخلاقي، والأمر ذاته يحتاج إليه طالب العلم الذي أصبح يتأمل منذ نعومة أظافره أنه ّإذا أراد التفوق والنجاح عليه الانتقال إلى بلد غربي ليواصل تعليمه، أين يجد سبل الرعاية والتكفل والاهتمام، ولأنه ببساطة لا يمكنه أن يجد هذه الشروط متوفرة في بلده ومجتمعه. مما يضطره إلى هجرة وطنه.

تساؤلات عديدة تشغل بال الباحثين والمهتمين بالقطاع التربوي عن أسباب فشل منظومتنا التربوية مع المحاولات المستمرة لتجديدها، هناك أسئلة مهمة يجب أن تثار في مسألة وضع البرامج والأهداف التربوية منها: من القائم على وضعها وتأطيرها ؟ وهل بنيت وفق أسس علمية ودراسة متأنية تضع في نصب أعينها أهمية البعد الإجتماعي في التربية؟ وهل كانت هناك فعلا مجهودات مادية وتربوية من أجل تطبيقها؟

     تحتاج العملية البيداغوجية والتعليمية إلى إدخال البعد الإجتماعي وتنميته كهدف أسمى في جملة أهداف منظومتنا التربوية، من خلال تعزيز الروح الإجتماعية المبنية على الوعي والنقد والتحرر من أي سلطة كانت، وكذلك التحرر أولا من فكرة المدرسة النموذجية التي اتبعتها دولة معينة ونجحت فيها، لأن نجاحها هناك لا يعني نجاحها في تربة أخرى فعلينا أن نؤمن بمبدأ أن نكون مختلفين عنها وناجحين لأنها تبقى في الأخير مجرد إجتهادات إنسانية، فالتجديد والتطوير التربوي ينبع من خصوصية المجتمع ومن متطلباته، مع مراعاة مبدأ أن الروح الإجتماعية والأخلاقية يجب أن تصاحب الروح العلمية والمعرفية.

في آخر هذه الورقة التي نقلنا فيها بعض هموم التربية والتعليم في الجزائر ،نقول بما أننا نتحدث عن جزائر جديدة فإنه يستحيل أن تقوم دون تجديد وإعادة هيكلة للمنظومة التربوية، لأنها تبقى الوتر الحساس الذي ينبغي مراعاته من طرف أهل التخصصن ووفق أهداف الجمهورية الجديدة التي عليها بذل مجهودات حقيقية في تكوين أفرادها بفتح سبل الاهتمام بهم خاصة شريحة النخبة والمواهب الصاعدة والاستفادة من خبراتهم وابداعاتهم لخدمة مجتمعهم كواجب وطني تفرضه مقولة "حب الوطن من الإيمان" ليس كشعار بل كواقع لبناء مدرسة جزائرية بكل معانيها واستراجاع الثقة فيها. لأن "ابن الجزائر الفعلي هو من يخدم الجزائر وتخدمه الجزائر".

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة