نحو فهم افضل لقضية المرأة الريفية أو القرية

 

المؤلف : أ.د.دراس شهرزاد

المؤسسة: قسم الفلسفة، جامعة وهران2

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث  :الأنساق، البنيات النماذج والممارسات، جامعة وهران2

 

 

 

 

 

 

 تحمل ذاكرتي صوار ضبابية عن نشاط ووضع المرأة الريفية وأدوارها المكبوثة والمستبعدة والمهمشة والمغيبة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فهذه الترسيمات هي التي استفزتني وذكرتني بكثير من النساء اللواتي عشن في الريف أو البادية أو القرية وحرمن من الرعاية والحقوق، وعليه فلم أرد أن أتغافل عن الموضوع فهو ملفت للنظر، وأن أهتم لطرحة وإثارته للنقاش والسؤال.

 

 

مازالت المرأة الريفية تواجه عوائق مستمرة تحول دون تمتعها الكامل بحقوق الإنسان و يثقل كاهلها الكثير من الأعباء ، مما لا يتيح لها فرصة الخروج للمشاركة في النشاطات التعليمية، فالعمل المنزلي و إنجاب الأطفال و تربيتهم و رعاية كبار السن كآلاباء و الأجداد و تربية الحيوانات الصغيرة و الغزل و بعض النشاطات الحرفية يزيد من تعبها  و معاناتها و تدهور أحوالها الصحية و النفسية و المادية ، الأمر الذي يتطلب تركيز الاهتمام على تهيئة الظروف أمام المرأة الريفية لكي تتحمل دورها في التغيير الاجتماعي لأسرتها، و التنمية في مجتمعها المحلي و  الوطني ولما حتى الإقليمي والدولي .

تدير المرأة الريفية بشكل مباشر نشاطات عدة متنوعة زراعية و غير   زراعية داخل المنزل و خارجه، فهي تساهم في توفير دخل مباشر أو غير مباشر للأسرة عن طريق إنتاج الذاتي رغم قلته الذي يسمح بتحسين معيشتها بصفة غير منتظمة، إلا أنه توجد قيود ومعوقات إجتماعية مثل العادات و التقاليد و القيم التي تمنع و تحد المرأة الريفية من الرقي وتحقيق دورها كمعيل للأسرة إلى جانب الرجل.

تعاني النساء و الفتيات الريفيات في المناطق الريفية او القروية من الفقر المتعدد الأبعاد بحيث لايزال سكان الريف يعيشون في ظروف فقر مرفوضة، إضافة إلى الجهل و التمييز والحرمان من الميراث و عليه  تتعرض المرأة في الريف إلى الكثير من التهميش و إلى ظلم كبير نتيجة لهدر حقوقها والمجتمع الريفي يساهم بشكل كبير في ذلك هذا نتيجة  للجهل و الإبتعاد عن الدين و غياب الثقافة فهذه و غيرها من الأسباب    التي رسخت ما يمكن تسميته بالظلم المجتمعي للمرأة.

إن أغلب سكان القرى و البوادي يمنعون بناتهم من الذهاب إلى المدرسة و متابعة تعليمهن أو توقيفهن عند سنة دراسية معينة فهذا راجع إما لعقلية الريف أن الفتاة مكانها المنزل و هذا المرجح الأكبر إضافة إلى عدم وجود مدارس قريبة من منازلهم و إلى غياب الثقافة و الوعي الذي قلل

من نشاة و تقدم المرأة داخل المجتمع وجعلها مجرد أنثى تنجب الأطفال و تحضر الغذاء و تنظف المنزل؛ هذا أثر عليها بشكل سلبي فاصبحت   مهمشة و بعيدةعن خطط تنميتها وكذلك تدني في النظرة إليهاوتصويرها بالساذجة أو سطحية التفكير فالنساء الريفيات تعاني من الفقر بصفة غير تناسبية و التمييز و العنف و إنعدام الأمن، فالبرغم من أننا دخلنا الألفية   الثالثة فلم يتحسن وضعهن أبدا.

- لماذا لاتزال المرأة الريفية تئن تحت و طأ الفقر و الأمية؟

- كيف يمكن تصحيح الوضع الراهن للمرأة الريفية و تجاوز الحواجزالهيكلية و الأعراق الإجتماعية؟.

- ثم ماذا يتطلب لتمكين المرأة الريفية من مساهمتها و مشاركتها الفعلية والكاملة لتنمية مجتمعها المحلي؟

المرأة الريفية هي العمود الفقري للمجتمع الريفي، فهي لم تكتف بدورها كأم و زوجة بل تقوم أيضا بعمل خارج المنزل في الحقول و المزارع و في تربية الحيوانات و الدواجن في صناعة الحرفية و غيرها فهي  شريك أساسي للرجل في كسب العيش و في هذا صرح الأمين العام الأمم المتحدة “تمثل النساء الريفيات جزءا” أساسيا لا يستهان به من البشرية، و سواء تعلق الأمر بالمزارعات أو العاملات في المزارع أو العاملات في البستنة او البائعات في الأسواق، أو نساء الأعمال أو المسيرات المحليات، فهن يظلعن بدور جوهري لضمان وسائل العيش المستدامة والأمن الغذائي لعائلتهن و للقري التي تعيش فيها، و يكتسي  عملهن أهمية جمة، ليس فقط لتنمية الأسر الريفية و الإقتصادات المحلية وانما أيضا للإقتصادات الوطنية بفضل مشاركتهن في وسائل القيمة الزراعية.

المعروف أن جل نساء الريف و القرى الجزائرية يجهلن القراءة و الكتابة إضافة الى وجودها بمناطق نائية و منعزلة ووسائل الإتصال شبه منعدمة  ودورها مازال غير محدد بالكامل سبب تغلغل القيم و التقاليدالتي تعيق علملها و الإرتقاء بها و دمجها في عملية الإنتاج و في تنمية أسرتها حيث تعتبرالمرأة الريفية من الأعمدة الأساسية التي ي يشاد عليها اقتصادالأسرة في الريف فهي من الناحية التطبيقة لها دور إيجابي في العملة التنموية، فحان الوقت لأن تدرك دورها التنموي .

تعاني المرأة الريفية الفقر و الإقصاء أكثر من غيرها في الحضر، فهي تواجه تمييزا منهجيا في إمكانية حصولها على الأراضي و الموارد الطبيعية، والإفتقار إلى الهياكل الأساسية و الخدمات و بشكل خاص الرعاية الصحية إضافة إلى القيود الإجتماعية و الثقافية مجتمعة معا التي تساهم على ترسيخ القوالب النمطية و الممارسات التمييزية، فالروابط الإجتماعية التقليدية لازالت مستمرة و مهيمنة على واقعها المحلي مما جعل من وضع المرأة في الهدف الاجتماعي  الريفي متدنيا إجتماعيا، فتركيبته ابوي اى بطريالكي.

المرأة في الريف مازالت لا واعية خاضعة ، مكرهة و مهمشة بالمقارنة مع الوضع و المركز الذي يشغله الرجل و ما يمكن وصفه بالعنف الرمزي  رغم أن تاريخ المرأة الجزائرية بشكل عام و الريفية بشكل خاص يشهد بمساندتها الدائمة و معاونتها للرجل في أزماته  المختلفة-فالمرأة الريفية هي مرأة تقليدية و محافظة ، يحكمها المقدس  وفي نفس الوقت تصبو دائما أن تكون فاعلة إجتماعية مستقلة.

تحديث المجتمع الجزائري اليوم ضمن تأسيس الجمهورية الجديدة من خلال المشروع التنموي الذي يعتمد على الزراعة والزراعة الخضراء   بدلا من البترول هو التفكير أيضا في النساء الريفيات  المقاولات كهدف لهيكلة تنظيم الدولة الجزائرية  الذي يدافع بقوة لصالح تمكين المرأة      و تعزيز أدوارها في تنمية المجتمع المحلي ماديا و معنويا رغم ما تواجهه كل يوم من معوقات هيكلية مستمرة متحول دون تمتعها الكامل بحقوقها الإنسانية. تتحقق الغايات و الأهداف الإنتمائية للمرأة و الريف معا عندما تتميز النساء الريفيات بالمستوى التعليمي ، فبمعرفتها للقراءة و الكتابة تتمكن من تجاوز اللامساواة و التهميش وتحارب الفقر و الجوع كما تزداد حظوظهن في العمل والمطالبة بحقوقهن فتكسب دخلا يساعدها في إعالة أسرتها، فلا تقف أهمية عمل المرأة في الريف عند حاجتها فحسب، بل أصبح التوجه الجديد هو حاجة المجتمع اليوم اليه ضرورة  مؤكدة ، ترى كاثلين ستاندث: “ أن مسألة التنمية تقوم على رغبة النساء في إعطائهن الفرص و المهارات و الموارد التي تمكنهن من أداء الأعمال التنموية و تعتمد سياسة المرأة والتنمية على رسم برامج و تخطيط أكثر عدالة يأخذ في إعتباره تقسيم الأدوار و التقدير العادل للجهد الريفي المبذول لكل أفراد الجماعة أو المجتمع-[محمد السيد السالم ، المجتمع الريفي - رؤية حول واقعة و مستقبلة-ص377] .

إن قضية المرأة الريفية هي قضية مجتمعية، و المرأة الريفية دورا مركزيا في التنمية المتكاملة في الريف ، فلابد اليوم من الضرورة التفكير في  صياغة إستراتيجية وطنية جديدة للترقية السنوية الريفية لتتمكن من تجاوز العراقيل و التهميش و ذلك من خلال أهداف أساسية و محورية أهمها:

1.التعليم للجميع هو أساسي للقضاء على الأمية في الريف. 

2.الإهتمام بصحة الأمهات و الأطفال في الريف من خلال أحداث انظمة الرعاية الإجتماعية والنفسية والبيئية.

3.تعزيز ودعم المشاركة الإقتصادية للنساء في الريف.

4.توعية المرأة الريفية بحقوقها و التأمين الصحي.

5.التدريب المهني و تطوير برامج محو الأمية الوظيفية.

6.احداث ورشات للتفكير ومراكز للإعلام والعمل من أجل تطوير  وتنمية الأعمال والنشاطات المدرة للدخل لفائدة المرأة الريفية وعقد   دو رات تدريبية مثلا كتدريب المقاولات الريفيات والتسويق لمنتجاتهن.

7.تسيير الحصول على التمويل لتعزيز تمكن المرأة الريفية.

اليوم الريف بشكل عام والمرأة الريفية بحاجة إلى تشخيص جاد  وحقيقي حتى تتمكن المصالح الإدارية ومؤسسات الدولة من بناء خطة عمل وطنية لصالح الريف والمرأة الريفية، فالوضع مقلق جدا ومتدهور والفقر مدقع والبطالة تتفاقم إضافة إلى هجرة الرجال إلى المدينة للبحث عن عمل مما أدى إلى تأنيث الريف، وكذلك الفوارق بين الرجال والنساء في جميع المجالات.

المرأة الريفية هي الفئة الأقل حظا و هي التي تعاني مزيدا من الأعباء و الهموم اذ لا يمكن أن تكون مشاركة المرأة الريفية في التنمية فعالة إلا إذا اتسمت بالرغبة و الدافعية و المهارات و التدريب و القدرة و المخزون المعرفي و الذي يجب أن يكون مؤكدا هو انه لا يمكن أن تتحقق التنمية المستدامة في الريف إلا إذا شملت تحسين وضع المرأة الريفية في جميع النواحي القانونية والانسانية لذا يجب على الحكومة الجزائرية اليوم أن تضاعف مجهوداتها اتجاه سياسة تنمية المرأة الريفية و تعمل على تغيير القوانين التي تضعف من مساهمتها لتجعلها أكثر مرونة تتماشى وواقع المرأة الريفية، فالأغلب أن القوانين الرسمية تستجيب غالبا لمشاكل الحضر و هذا ما أشار إليه البنك الدولي في دليله المعنون : Gender in agriculture soucebook  مجلس حقوق الإنسان (التمم المتحدة 2012-الدراسة النهائية) بشأن المرأة الريفية والحق في الغذاء.ص12

 “إلى أن قوة انفاذ القوانين الرسمية أضعف من قوة انفاذ الأعراف و التقاليد في المناطق الريفية " إن إكساب المرأة الريفية المهارات اللازمة هو تأهيل لمستواها باعتبارها محورا في نجاح التنمية المستدامة الريفية التي تتبنى توجهات التنمية العامة للمجتمع بمزيد من الاستراتيجيات المبتكرة بما في ذلك أساليب وممارسات استغلال الأرض مما يسفر من فوائد بيئية.                    

  مستقبلنا مشترك و مشاركتنا جميعا مطلوبة حتى بترسم و يتطور نحو فهم أفضل لقضية المرأة الريفية القروية و تأكيدا  لدورها كشريك كامل في صنع الحياة.

 

 ----------------------------------------

 كتب هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية المصادف  لـــ 15 أكتوبر من كل سنة 

بقلم الأستاذة دراس شهرزاد

 

 

 

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة