سألني ابني فحدثته

فهرس المقال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سألني ابني فحدثته

-الحلقة الأولى-

الأستاذ بن مزيان بن شرقي، جامعة وهران2

 

 

 

سألني عبد الرحيم وهو يطلب مني بعض النقود لأن يضعها في الجصالة (علبة جمع النقود للأطفال)، باب (أبي) أعطيني سون ميل ورقة 1000 دينار، وحينما طلبت منه لماذا قال لي أضعها في العلبة. بعد برهة حدثته لماذا تضع سون مييل في العلبة؟ وكانت إجابته بسيطة وبريئة لأشتري بها حلوة. وماذا لأشتري بها لعبة لي تتركب يقصد ليقو Lego وماذا ؟ لاكرام (مثلجات) .

حينها توقفت عن سلسلة الأسئلة بل حدثت نفسي هل يعرف الطفل في هذا السن معني للنقود؟ كيف يمكنه أن يفرق بين قطعة وأخري؟ هل يعرف دور الجصالة (علبة جمع النقود). حدثت نفسي لأني كنت أعلم أن ما ذكره من المقتنيات التي أراد أن يشتريها هي من محيطه اليومي: حلوة، لعبة، مثلجات. ولكن ما أردت أن أعرفه لماذا يريد أن يضع النقود في العلبة وفي نفس الوقت يريد أن يشتري أشياء؟ هل يعرف معنى الادخار؟ هل يعرف معنى الشراء؟ هل وهل وهل.

أتذكر أننا حينما كنا في المرحلة الابتدائية كان المعلم حينما يأتي على درس المعاملات التجارية يأتي بأوراق نقود مطبوعة كبيرة الحجم ويعرفنا على كل ورقة ويخرج من جيبه بعض القطع النقدية وكانت كثيرة: الخمسة سنتيم (الدورو) وإثنين سنتم، وأربعة سنتيم، والعشرة سنتيم، والدينار لم تكن يومها قطعة الخمسة دينار بل كانت على شكل ورقة صغيرة الحجم زرقاء.

ويعمل المعلم في الحصة المخصصة لذلك على أن يعلمنا عميلة البيع والشراء، كنا نبيع ونشتري، نحسب النقود ونعيدها لمن يشتري وتمضي الحصة كلها ونحن في معاملات تجارية محسوسة. نلتمس القطعة والمجتهد فينا يميزه المعلم داخل القسم بأن يمنح له الأوراق ذات القيمة العالية العشرة دينار والمائة دينار. هذه الصورة عادت إلى وأنا أتحدث مع إبني عبد الرحيم، أتحدث معه وفي نفسي أن اشرح له ما كنا نتعلمه.

وحتى أدخله في جو المعاملات التجارية تركته يذهب هو وأخوه ياسر ليشتري في الصباح من الدكان المجاور علبة جليب وخبز ومنحته سون مييل حتى أعرف هل يدرك قيمة الورقة النقدية أم لا. عاد مسرعا ككل الأطفال فارحا بما قام به دون أن يعيد ما تبقي من النقود، حينها أدركت بأنه لا يعرف معني الحصالة ( علبة جمع النقود) بل نحن من ندفع به ليتعلم الإدخار. بمعني أننا نقيم مع الأطفال وفي هذا السن تكوينا تجاريا يتمثل في النقد، تدويره من خلال الشراء والبيع، وإدخاره ولكنني عاجزين أن ندحله في دورة إقتصادية. بمعني أننا ليس لدينا ومن منطلق ما هو متوفر لدينا ما يمكننا من تعليم طفلنا معني الدورة رأسمال.

وتذكرت أن أحد الجيران كان طالبا في الولايات المتحدة الأمريكية وهو الآن إطار سامي في الدولة لذلك أحتفظ بإسمه حمل إلينا في إحدي زيارته الصيفية لبيتهم لعبة المنوبولي. كانت لعبة جديدة عنا وأوراقها أوراق دولار ولم يكن لنا عهد ونحن في مدينتنا الداخلية لنعرف الأوراق الخضراء ومباني قصور وفنادق ومنازلوحينما أخرجها وبقينا ننظر ونجن أطفال وهو يشرح لأقرانه كيف تلعب شدنا الإنتباه، وبدأنا كل مساء من ذلك الصيف نذهب أفواجا للفرجة والضحك لأن من يخسر أمواله كان مطالب بدفع غرامة قارورة مشروب غازي نحتسي من القارورة نصيبا قليلا ونذهب. أما اليوم وأنا أتأمل إبني عبد الرحيم أعرف أنه لن يجد مقابلا لكي يتعلم ما هو الاقتصاد سيعرف وبالـتأكيد المعاملات التجارية ولكنه سيبقي يجهل معني الاقتصاد.

وتأكدت من ذلك وأنا أستمع في إحدى الجلسات بالجامعة لمسؤول بيداغوجي يشرح للطلبة الجدد طريقة التقييم في نظام ل.م.د خصوصا حينما وصل إلى ما يسمي حساب الأرصدة أخذها كما هي باللغة الفرنسية وهو للعلم معرب حتى النخاع وقال لهم الكريدي وحينما سألته طالبة ببراءة إبني عبد الرحيم أستاذ مما معني الكريدي لأنها ربما إعتادت على الكريدي بمعنى القرض من الدكاكين المجاورة لمنزلهم مثلما كان حالنا. قال لها خذي الأمر كما هو وستفهمين بعد الامتحانات. حز في نفسي ذلك المنظر وبقيت مندهشا. لمحت الطالبة البريئة والحيرة على وجهها فقمت من مكاني رافعا يدي حتى يسمح لي بالكلام وحينما سمح لي بالحديث شرحت لها معني الأرصدة (الكريدي) بلعبة المونبولي، ولأني كنت محظوظ ظهر أن مجموعة من الطلبة يعرفون اللعبة من خلال المواقع الافتراضية. فهل عرفت يا أبني عبد الرحيم قيمة الاقتصاد والفرق بينه وبين التجارة؟

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

سألني ابني فحدثته

-الحلقة الثانية-

الأستاذ بن مزيان بن شرقي، جامعة وهران2

 

 

 

 

مثلما أعلنته يوم السبت 30 ماي بأني سأخص الطفل بحلقات تنشر كل ثاني إثنين من كل شهر تتناول أسئلة يطرحها الأطفال، أبنائي، أحاول من خلال حديثي معهم أن أقف على طبيعة التصور الذي يمكن أن يحمله سؤال الطفل في بساطته، والغرض من ذلك الوقوف على سعة الخيال عنده. أخترت أبنائي والأسئلة التي يطرحها علي في كل مرة واحد منهم لأنكم تعرفون بأن الطفل، وفي سن معين يُكثر من الأسئلة ومن واجبنا أن نفسر له.  والسؤال الذي تردد علي منذ شهر وياسر محمد (الصورة) يطرحه بإلحاح حينما يشاهد على شاشة التلفزيون صورة إشهار لعلبة الطونة ( لا أذكر المركة ) لعلكم كلكم شاهدتم هذه الصورة الإشهارية، والتي تمثل طفل يدخل قاع البحر سابحا للبحث عن صندوق ليكتشف على ظهر القارب مع عائلته ثلاثة علب من الطونة.

السؤال: بابا ( أبي) متي سأذهب للبحث عن الكنز؟ بابا (أبي) أرجوك شريللي ( إشتري لي) لباس غطاس ( هذيك لي ديروها في الأنف واللباس الأسود) يقصد بدلة الغطس

الجواب: لماذا ( علاش)

الجواب: نروح ( أذهب) للبحر ( كيما هذاك) مثل ذلك الطفل للبحث عن الكنز.

فسألت نفسي ثم حدثته:

السؤال: ما هو الكنز في تصوره؟ وما هي مخاطر صور مثل هذه إذا ما بقيت عالقة في ذهنه؟

وعليه حدتثه قائلا:

إن ما تشاهده هو صورة، صورة الغرض منها أن تبين لك جودة المنتوج واشترت له علبة الطونة لكي أقرب له الصورة التي أريد أن تمتثل في ذهنه. ولكني شهدته بأنه لم يقتنع فقلت في نفسي يجب أن أعود له من حيث تصوره للكنز.

لعبة الكنز تحمل، في رأيي، في مضامينها على الأقل معاني منها السر أو  الرغبة في اكتشاف المجهول .

 وهو ما أريد أن أقف عليه لكي أقف على فكرة بأن الطفل يحمل من حيث أنه كذلك قوة ذهنية لاكتشاف المجهول حتى أننا حينما نريد إستعمال بعض الصور المجهولة لدفعه للنوم فإنه بمجرد أن يكبر ينقلب الأمر ليبدأ هو بإستعمال نفس المفردة مع إخوته. الغريب في الأمر أن هذه القوة، الرغبة في إكتشاف الأسرار، لم ننتبه إليها لدي أطفالنا وإن إنتبهنا إليها لم نعطيها القدر الكافي من الاهتمام في البرامج الموجهة للطفل. يظهر ذلك جليا في عدم فهمنا الجيد لمعني الرسوب في التعليم. لعلكم صادفتم في حياتكم الكثير من الأصدقاء ممن كانوا يدرسون معكم ووجهوا بحكم برنامج تعليمي للحياة العامة، الطرد من المدرسة، ونجحوا في مهن وحرف أخري تدير عليهم اليوم الكثير من الربح المادي. إن الرغبة في إكتشاف الأسرار إن لم أجانب الصواب هي نواة الإبداع ماذا كان أن يكون مصير العلوم التطبيقية إن لم يكن وراء ذلك علماء أرادوا أن يكتشفوا الأسرار، أسرار الكون؟ ولذلك فإن التوجيه، التوجيه في التعليم يجب أن ينتبه إلى هذه الملكة التي غالبا ما نتعافلها في مسألة التقويم. فإذا نجح غيرنا ممن لم يكملوا دراستهم فذلك لا يعود لما نسيمه اليوم في لغتنا اليومية بالقفازة بل لأن هذا الشخص كان يمتلك من القوة الذهنية التي لا تتلائم والبرنامج الموجه له ولذلك فإن الحرص على مسألة الحرية في التعليم ودعمها سيكسبنا الكثير من الفوائد في مشاكل يبدو أننا لم نفهم خصوصيتها.

أما مخاطر الصورة الإشهارية هي أنها قد تدفع الطفل للمغامرة المجهولة العواقب حيث تنشأ لديه رغبة جامحة في أخذ المبادرة وهو في سن لا تسمح له، ولعل في لعبة الفيديو، الحوت الأزرق، التي سجلت نسب من الانتحار في السنوات الماضية ما يفسر تخوفي.

لذا فإن دلالة الصورة عند المتلقي، الطفل، يجب أن تدرس بكيفية دقيقة حينما يتعلق الأمر بتوظيف الأطفال في الصور الإشهارية حتى نعرف الأهداف التربوية والتكوينية لشخصية الطفل بعيد عن الفائدة الإستهلاكية.

وهذا ما هو إلا إجتهاد للمساهمة في ترقية البني الذهنية عند أطفالنا فشكرا لأبني الذي دفعني للحديث عن مفعول الرغبة في إكتشاف الأسرار.

 

 

 

 

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة