حديث السبت في حلقته العاشرة على منتدى لاغورا
المتنبي الرثاء أو تأمل في الموت
الأستاذ بن مزيان بن شرقي، جامعة وهران2
أعرف أنكم منذ البداية كنتم تنتظرون حديثا عن المتنبي لا لشيء سوي لأن كل حديث عن الشعر العربي في رأيي لا يمكن أن يمر عليه الإنسان دون ذكر بعض الأسماء البارزة والتي صنعت الشعر العربي، والمتنبي واحد من أيقونات الشعر العربي. اليوم أخترت المتنبي وسأخصص الحلقة القادمة للمعري وأنا أتذكر في الثقافة العربية المعاصرة صورة شبيهة بهذيان الاسمين وأقصد طه حسين والعقاد فهل يمثل طه حسين المعري وهو الذي خص به كتابا بل أنه يعتبر المعري شبيهه في محنته محنة فقدان البصر، وإن كانت لعميد الأدب تبريراته وهل نعتبر من جانب آخر العقاد المتنبي بطبيعة الحال بعيدا عن كل توصيف للحياة الخاصة للشخصين؟ تساؤل يبقي معلقا إلى حين. ولكن ما أردت تناوله مع المتنبي اليوم غرض مغاير لما أعتدنا عليه أو ما أشتهر به المتنبي نفسه وهو الفخر والمدح. أردت أن أعود لقصيدة في الرثاء رثاء والدة سيف الدولة إن اختيار هذه القصيدة لم يكن اعتباطيا بل مقصود، والقصد ممن ورائه أراه في جانبين:
يتعلق الجانب الأولى بما نعيشه خاصة وأن العالم كله يعد من الوفيات اليومية بالألاف وكيف أننا ننتظر كل يوم تعداد الموتى بعدما كنا ننتظر أخبار المواليد. لم نكن يوما نتوقع أن وسائل الإعلام واللجان الحكومية الخاصة تشكل لكي تعلمنا يوميا بعدد الوفيات.
أما الجانب الثاني فيتعلق بنظرة المتنبي للموت. نظرة أحسب أنها تلخص تصورا متميزا لمفهوم الانسان داخل الثقافة العربية الإسلامية خاصة وهو يقول:
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
نص القصيدة في رثا ء والدة سيف الدولة
Haut du formulaire
نعد المشرفية والعوالي
وَتَقتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ
وَنَرتَبِطُ السَوابِقَ مُقرَباتٍ
وَما يُنجينَ مِن خَبَبِ اللَيالي
وَمَن لَم يَعشَقِ الدُنيا قَديماً
وَلَكِن لا سَبيلَ إِلى الوِصالِ
نَصيبُكَ في حَياتِكَ مِن حَبيبٍ
نَصيبُكَ في مَنامِكَ مِن خَيالِ
*******************
كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ
وَلَم يَخطُر لِمَخلوقٍ بِبالِ
صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوطٌ
عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ
عَلى المَدفونِ قَبلَ التُربِ صَوناً
وَقَبلَ اللَحدِ في كَرَمِ الخِلالِ
فَإِنَّ لَهُ بِبَطنِ الأَرضِ شَخصاً
جَديداً ذِكرُناهُ وَهُوَ بالي
وَما أَحَدٌ يُخَلَّدُ في البَرايا
بَلِ الدُنيا تَؤولُ إِلى زَوالِ
أَطابَ النَفسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوتاً
تَمَنَّتهُ البَواقي وَالخَوالي
****************
أُسائِلُ عَنكِ بَعدَكِ كُلَّ مَجدٍ
وَما عَهدي بِمَجدٍ عَنكِ خالي
يَمُرُّ بِقَبرِكِ العافي فَيَبكي
وَيَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السُؤالِ
وَما أَهداكِ لِلجَدوى عَلَيهِ
لَوَ أَنَّكِ تَقدِرينَ عَلى فَعالِ
******************
نَزَلتِ عَلى الكَراهَةِ في مَكانٍ
بَعُدتِ عَنِ النُعامى وَالشَمالِ
تُحَجَّبُ عَنكِ رائِحَةُ الخُزامى
وَتُمنَعُ مِنكِ أَنداءُ الطِلالِ
بِدارٍ كُلُّ ساكِنِها غَريبٌ
طَويلُ الهَجرِ مُنبَتُّ الحِبالِ
********************
وَلَيسَت كَالإِناثِ وَلا اللَواتي
تُعَدُّ لَها القُبورُ مِنَ الحِجالِ
وَلا مَن في جَنازَتِها تِجارٌ
يَكونُ وَداعُها نَفضَ النِعالِ
*********************
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا
لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ
وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا
قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ
يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضاً وَتَمشي
أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي
وَكَم عَينٍ مُقَبَّلَةِ النَواحي
كَحيلٌ بِالجَنادِلِ وَالرِمالِ
وَمُغضٍ كانَ لا يُغدي لِخِطبٍ
وَبالٍ كانَ يُفكِرُ في الهُزالِ
****************
منقول
أشكركم ونلتقي السبت القادم في لقاء ما قبل الأخير مع أبي العلاء المعري لنكمل الحديث عن الموت والحياة
بن شرقي بن مزيان
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مدير الموقع
- انشأ بتاريخ: 13 جوان 2020