الغزل الممحون في الشعر الملحون مصطفى بن براهيم أنموذجا

 

 

المؤلف : د.الزين عبد الحق

المؤسسة: قسم الفلسفة،( مشروع :فلسفة الفن، التراث والمهن الثقافية)، جامعة وهران2

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث  : الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات، جامعة وهران2

 

 

 

 

 

     يعتبر الملحون من عناصر الآداب الشعبية المعروف بطابعه الشفوي والجماهيري لدى العامة ولهذا يسمى أيضا بالشعر الشعبي وتختلف التسميات حسب البيئة الجغرافية وبالرغم من اختلاف الباحثين حول نشأته إلى أنه يرجح بزوغه عن التفاعل و الثتاقف بين الألسن ،حيث أفضى غير فصيح وهذا ما أشار إيه ابن خلدون في مقدمته  بقوله :" لقد فسد لسان مضر لغتهم ....وفسدت اللغات بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة "[1] ولهذا نجد من بين الشعراء الملحون من مزج أشعاره بلهجات ولغات أعجمية أخرى كقول أحدهم

 

واحد اللعين زيفط برا   ***** لبوه ما كتب جيرار

بابا ديسي مي موخيرا   *****   بوسكار نوفيو كسار

اصي ديوص كومو كييرا *****     برا لتيامو   يقار

العود جربه في السيرة   ******    نوصيك اذا عثر كيدار[2]

  

نلاحظ في هذه الأبيات إقحام المفردات الاسبانية مع العربية الملحونة وإذا كانت أغراض الشعر تتنوع بصفة عامة من مدح وذم وهجاء ورثاء أو غزل بأنواعه، نحاول الوقوف في هذا المقال عند الغزل لأحد أهم شعراء الملحون في المغرب العربي ألا وهو مصطفى بن براهيم [3] ويعود سبب اختيارنا لهذا النمط (الغزل) لكون أن نصف ديوانه الذي قدمه الباحث عزة عبدالقادر[4] يعبر عن هذا اللون ،الملاحظة العامة لتلك القصائد الغزلية ترنحت بين أسلوب بليد جاف تارة وأسلوب مثير وحماسي مشوق تارة أخرى .

تعطي القراءة المتأنية والمركزة لبعض القصائد الغزلية للشاعر لنا تصويرا دقيقا لما كان يعيشه الشاعر بل وعكس السياق في صور محسوسة،نلتمس في بعض المواقع محنة الشاعر التي يربطها البعض بمسألة الاغتراب عن الوطن والثانية التي تتعلق بحالة العشق والهوى، افرد الشاعر مجموعة هامة من القصائد الغزلية في حق بعض ممن عرفهن سواء بمقاطع أو بقصيدة كاملة والبعض منها تم تحويله إلى أغاني فيما بعد وفيما يلي بعض من أشعاره الغزلية التي نقلها الباحث عزة عبدالقادر في مدائح الوهراني :

تغزله بالزهراء وهي الفتاة التي كانت تسكن وهران من أصل كرغلي قال فيها :

 

سرج يا فارس اللطام   ***** للبهجاء روح يا خليلي

شضف منا بلا مقام     ***** للزهراء روح عيد رسلي

توصل مرخوفة الحزام ***** في وهران ساكنة غزالي

وفي قصيدة ناري شفت غزال قال فيها

سعدي شفت اليوم ***** زهرا تسحج في خطاها

تصفى بدر نجوم   *****عربة خضرا في غشاها

شوفتها مسموم ***** عقلي طار مشى معها

للزهرا ميسوم ***** عبد الله وخديم ليها

 

تغزله بحورية التي تم اقصائها من قبل أهلها لمنعه التغزل بها وقد لحق بها ممتطيا جواده ونظم فيها قصدتين الأولى بعنوان القلب شاش للحرية والثانية ب قبلوا بالحرية

القلب شاش للحرية كحل الهذاب *****   ليها نروحو يا عودي

ايا نعولوا بالرحلة شور العراب *****     نجع ام دور راه مسدي

 

أما يامنة وهي المرأة التي التقى بها في فاس (المغرب) فقد خصص لها قصيدة مطولة والتي تعتبر من روائعه الغزلية وقد أداها الشاب خالد في أغنيته المشهورة بنفس العنوان – ما اعظم زينك يا يمنة—      فقال الشاعر فيها

 

هذا اليوم سعيد مبارك ***** فيه وفيتـــك يامنة

اتاج الخودات اخبارك ***** المرض الي بك هلكنا

ما لي طاقة لك نشوفك ***** ونسقصي في الناس خيانة

متهول قلبي من ضرك ***** كان المولى يقبل منا

تتحمل الكل اضرارك ***** واذا مات الله يرحمنا

كيما يغفر لي يغفر لك ***** انبوبك وانوبي انــا

ما اعظم زينك إ يامنة

 

ما ميز هذه القصيدة وجود الحوار والرد الذي ضمنه الشاعر في المتن في قوله

قالت قلبك ما هو عندي ***** ولا سالت سوال القرحة

حين لقيتك راك تسادي ***** هدرتك غير تلحيلحة

وفي موضع أخر

قالت لي ايس من بالك ***** لا تطمع بمحبة فينا

هذا اليوم اخير يامك   ***** ما نلقوك ولا تلقانا

------

قالت لي تلعب لعوبي   بكلامك تعكس علي

نعرفك ومعك مربي   قلبك حيلي ما هو نية

قالت لي قابل التوب من محنتك تاب علي

 

و لم تنافسها في قوة الوصف إلا قصيدة غزلية لخضرا الموصوفة بمحكمة الوشام في قصيدته ما ازين خضرا يا ناري

   تظهر الدلالة اللفظية على محنة الشاعر الغزلية مبرزا عاطفته تارة وحالته تارة أخرى إما لفظا أو مجازا فلفظ محنة تعالق مع المعنى في أكثر من مرة كقوله: "نفجي على قلبي الامحان" .... "هزمتني وجه الهداب*** وجه المحنة يبان واري " " عمري صفات من وحشك وامحاني قوات " ،" مهموم بالمحاين بالوحش القلب طاب ..نار الغرام ديما تقدي " ،"فناني تمحاني وطاب قلبي طياب "،"مات القلب على محنتك ****   لله ما صفا سامحنا"

أما المجاز فجاء بصيغ مختلفة ونلتمس ذلك من الحقل الدلالي التالي : " منكم تغيروا حوالي "، "حالي ما مثله الحال "،"زاد على قلبي تخمام ...." نوبة نسير نوبة عابر والقلب طاب ***** نيران شاعلة في كبدي" ،"ها شوف حالتي كي راني راح الشباب ****مهموم كل يوم تنادي "

ولا يتسع المقام لتعداد المفردات التي تكررت مرات عدة ،لما كان الغزل يشكل أكثر من نصف ديوانه فهذا مرده إلى الترحال المتكرر و زواجه المتعدد وحتى تغزله بالراقصات في الليالي الزاهرة كما يسميها هو ،وجدير بالذكر أن النساء اللواتي تغزل بهن قد ذكرن لفظا وأخريات ذكرن وصفا وبقين في عداد المجهولات كقوله :"ما ابركها ليلة مع طويلة "،البعض من قصائده تم استثمارها في الغناء منها :ما اعظم زينك يا يمينة [5] قلبي تفكر لأوطان [6] القمري[7] وغيرها من الكلمات والقصائد ،منهم من حافظ على المتن ومنهم من استوحى الفكرة ،لقد ظهرت براعة مصطفى بن براهيم في نظم قصائده الغزلية من خلال نحت اللحن و دقة التصوير وذلك في وصفه للعديد من النساء وحالتهن خصوصا تلك التي جمعته في العلاقات العابرة و لم يكن وفي في علاقته بحيث ما أن يدخل في علاقة جديدة ينسى الماضية وهو يعترف بذلك في قوله نتبلغ وليبردو الامحان .

 

 

---------------------------------------

[1] عبدالرحمن ابن خلدون: مقدمة، الذهبية للطبع والنشر،القاهرة،2006،ص 675.

[2] يرجح أن هذه الأبيات ترجع إلى الشاعر بن حراث .

[3] مصطفى بن براهيم ،مواليد بوجبهة نواحي سيدي بلعباس سنة 1800 ،كان معلم للقران الكريم ويختلف في نسبه قيل من بني تالة وبعضهم قال بني مريانة وقيل ينتهي نسبه إلى مهاجة ،تولى القضاء في مسقط رأسه ثم عيين من قبل الإدارة الفرنسية خليفة ثم قائدا على فرع اولاد سليمان (بوجبهة ،وادي المبطوح ،تليوين ،سفيزف) واستمر حكمه ثم هاجر إلى مدينة فاس المغربية عاش هناك لمدة خمس سنوات وعرفت تلك الفترة بنظمه قصائد الحنين للوطن رجع إلى وطنه وقد بلغ من العمر عاتيا وتم ارجاعه الى منصبه من قبل اصدقاءه الاوفياء استقر ببوجبهة بين أهله وتوفي في عام الطاعون ودفن بالمسيد سنة 1867.

[4] عبدالقادر عزة، مصطفى بن براهيم :شاعر بني عامر ومداح القبائل الوهرانية ،موفم للنشر ،الجزائر ،2011.

[5] أدى الاغنية الشاب خالد بنفس التسمية.

[6] أدى الاغنية المازوزي بنفس التسمية.

[7] أدى الاغنية رابح درياسة بكلمات مغايرة .

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة